السبت، 5 سبتمبر 2009


الأمين العام لهيئة شئون الأنصار يتحدث عن إشكاليات السياسة و"الطائفة"
عبدالمحمود أبو: "المهدية" تسعى لإقامة دولة إسلامية عصرية
وليد الطيب

الشيخ عبد المحمود أبو
في الجزء الثاني من حوارنا مع الشيخ عبد المحمود أبو الأمين العام لهيئة شئون الأنصار، وهو المنصب الثاني في المهدية بعد إمام الطائفة ندخل في عميق القضايا الإشكالية المثارة، خاصة تلك التي تتعلق بطبيعة العلاقة بين الحزب والطائفة، وهل تحولت المهدية من حركة تجديدية ذات جذر مجتمعي إلى حركة منغلقة يتوارث قيادتها بيتا بعينه.
كما نتعرض لمشروع الفكر السياسي للحزب، وبعض الاجتهادات السياسية لإمام الطائفة ورئيس الحزب الحالي، والتي يعتبرها الكثيرون خروجا على ثوابت وقطعيات الشريعة.
*يُتهم إمام الأنصار عبد الرحمن بن الإمام المهدي بأنه انخرط ضمن سياق الاقتصاد الرأسمالي المتصل والمرتبط بالاستعمار البريطاني، الذي يجعل من هذا النشاط أحد أدوات تصفية آثار المهدية الذي اقترحه تقرير وليمسون 1927م، فما قولكم؟
عبدالمحمود أبو: المهدي ظهر وانتهى
- الأمر ليس كذلك، بعد الحرب العالمية الثانية أصبح الاستعمار محتاجا إلى وحدة الصف الداخلي؛ لذلك فك القيود عن الإمام عبد الرحمن، وظن المستعمرون أنهم يمكن أن يلهو السيد عبد الرحمن بالعمل الاقتصادي؛ لأنه لما سمع الأنصار بخروج ابن المهدي أتوا إليه زرافات ووحدنا من كل أنحاء السودان لتجديد الدعوة المهدية، فخشي الاستعمار من هذه التجمعات، ومن ثم فتح له الباب ليقوم بعمل اقتصادي لإلهاء هذه التكتلات، لكنه اكتشف في آخر لحظة أن السيد استغل هذه الفرصة في تجميع أنصاره وتوحيد صفه وتطويره، واستغل أيضا العمل الاقتصادي في تحرير شعبه وتحقيق استقلاله.
لا يمكن لإنسان رأى دولة أبيه قد أُسقطت بقوة السلاح الناري، وإخوانه قتلوا بذات السلاح، ولم ينج هو نفسه من ناره أن يتواطأ مع هذا المستعمر، ولكنه قدر أن القوة غير متكافئة، وأن المرحلة ليست مرحلة صراع عسكري، ولابد من استخدام أسلوب هذا العصر لمواجهة هذا التحدي، وبالفعل نجح في تحقيق استقلال بلاده في عام 1956م.
*لكن بعد ذلك أسس حزب الأمة وأصبح راعيا له، وهو حزب بلا أجندات دينية، هل كانت تلك بداية الانفصال بين الدعوة والدولة والتباعد بين السياسة والدين؟
- أبدا، فقد رأى أن الأنصار نتيجة للحصار الذي مورس بحقهم وضدهم، ولم يجدوا حظا من التعليم، وهي القوى التي تمكنهم من التعامل مع المرحلة بمقتضياتها، والأنصار بحكم عددهم الكبير، ولنظامهم الديني كثير من المواطنين لا يتفقون معهم في هذه العقيدة، ولكن القضية الوطنية أوسع، تجمع الأنصار وغير الأنصار، ولذلك اضطر لتكوين حزب الأمة ليكون حزبا وطنيا، يجمع الأنصار والمسلمين غير الأنصار / والسودانيون غير المسلمين؛ للتوحد حول هدف وطني وهو استقلال السودان.
وقد نحج هذا الأمر؛ لأنه لو اكتفى بالأنصار وحدهم فإما أن يجدد وسيلة أبيه وهي الحرب، وهي غير مجدية في تلك المرحلة، وإما أن تكون مجموعة عقدية تمارس طقوسا خاصة بها، وما دام هناك قضية وطنية فهنالك عدد كبير جدا من المواطنين المسلمين من غير الأنصار والمواطنين من غير المسلمين يؤيدون هذا الحزب ليكون بوتقة ينصهرون فيها لتحقيق الهدف السياسي وقد تحقق ذلك الهدف.
السياسة والقداسة
*طيب، بعد أن حقق حزب الأمة استقلال السودان، هل أصبح الحزب يدعو لدولة سودانية إسلامية أم علمانية أم ما هي الدولة التي يردها الحزب؟
- حزب الأمة هدفه هو هدف كل الأحزاب الموجودة: أن ينهض بأمته وشعبه، وطبعا لا نقول إن حزب الأمة هدف تحقيق الدولة الإسلامية، هذا هدف الأنصار جماعة دينية؛ لأن الحزب به أناس غير مسلمين، وهدف الحزب السياسي لا يكون مثل الهدف الجماعة الإسلامية، لأنه تحالف لتحقيق أهداف وطنية: تحرير الوطن واستقراره ويكون للحزب أهدافه المستقبلية، لكن مشاكل الوطن الداخلية حصرت دور حزب الأمة: حل مشاكل البلاد، حتى الآن لم يستقر السودان، ولهذا لم يجد الناس متسعا من الوقت لبلورة أهداف مستقبلية، فالحرب التي بدأت 1955، ولم تنته إلا في 2005م، شلت كل القوى السياسية، وكان حزب الأمة مؤهلا لتحقيق كل أهداف الأغلبية المسلمة في السودان وأهداف المواطنين بوسائل ديمقراطية، أنت تذكر أن في 1989م، قبل شهر من انقلاب البشير أن حزب الأمة عقد اتفاقا مع الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق، واتفقوا على عقد مؤتمر لتحقيق السلام في السودان، وهذا اللقاء الذي كان مقررا له الانعقاد في يوليو، هدفه إيقاف الحرب والاتفاق على أسس السلام والمواصلة في تحقيق بقية الأهداف، قام الانقلاب بشعارات كبيرة وجهادية، وفي النهاية ما تحقق كان أقل مما كنا فيه، وليس ما نتطلع إليه، ولذلك أقول إن هدف حزب الأمة ليس هو ما تسعى إليه الجماعة الدينية، فهو يسعى: لتحقيق الوحدة الوطنية، ودولة سودانية مستقرة، وتحقيق المفاهيم الديمقراطية وترسيخها، والتداول السلمي للسلطة، ويسعى لتحقيق النهضة الشاملة لهذه الأمة السودانية.
*إذن حزب الأمة الآن تراجع عن مبادئه الأساسية، فقد كان حزب الأمة في عهد الإمام الثالث الإمام الهادي عبد الرحمن المهدي يقول إن مطالبه "حكم ديمقراطي، وتحكيم الشريعة الإسلامية"؟
- لا، لم يتم أي تراجع، في آخر انتخابات حزب الأمة كان برنامجه "نهج الصحوة الإسلامية"، ويتضمن هذا البرنامج تطبيق الشريعة، ويتم ذلك بوسائل ديمقراطية، وليس بوسائل تكون مفروضة على الناس.
*هل ما زلتم تطالبون بذلك؟
- نعم.
*هل تسعون إلى إقامة دولة إسلامية؟
- الجماعة الدينية "الأنصار" يسعون إلى توحيد المسلمين ككل، وتسعى إلى تجميع القوى الإسلامية السابقة، وتمارس الجماعة الإسلامية داخل حزب الأمة نشاطها وفق بنود حزب الأمة، وأفكارها وأهدافها من خلال حزب الأمة، فالجماعة الأنصارية هي جماعة تسعى إلى إقامة الدولة الإسلامية بمفهوم عصري وحديث، هذا المفهوم له وسائل، منها الحوار مع غير المسلمين، ومع المواطنين المسلمين؛ كيف نحقق دولة إسلامية حديثة تحفظ حقوق غير المسلمين وتحقق رغبات الأغلبية المسلمة بوسائل ديمقراطية.
*مع هذا الإيمان بالديمقراطية، أين الثورة والجهاد؟
- الثورة قائمة، والجهاد ليس بالضرورة أن يكون قتالا، فأي مجهود يبذله المسلم لإعلاء كلمة الله هو جهاد، أم الجهاد القتالي فشروطه معروفة في الإسلام، ويكون إذا حرمنا حرية الدعوة أو إذا ظلمنا... إلخ.
*إذا سلمنا بأن الحزب السياسي المدني ما يزال يعبر عن أشواق الطائفة الدينية، لكون رئيس الحزب هو إمام الطائفة، فهل لكم ضمانات أن يظل الحزب كذلك حال اختياره رئيسا غير إمام الطائفة؟
- للحزب أسسه ومبادئه ولوائحه وقوانينه، نحن نمارس الأنشطة وفق هذه اللوائح دون أن نفرض عليه وصاية، وإذا أصبح الحزب يرفع شعارات تتعارض مع الجماعة الإسلامية، فعندها لكل حادثة حديث، ولكن لا أتصور أن يحدث ذلك؛ لأن الأنصار هم الأغلبية داخل حزب الأمة، ولا أتوقع أن يحدث ذلك في وجود هذه الأغلبية، أو يجيزوا أي نوع من الأفكار أو السياسات التي تتعارض مع ما يؤمنون به.
وسيحدث ذلك الاستمساك المبدئي بوسائل ديمقراطية تفصل بين الرأي والرأي الآخر، يحسم ذلك وفق الدستور الذي يعمل به حزب الأمة، وإذا حدث هذا التغيير سنكون عندها نحن غير موجودين على ظهر الأرض.
من التجديد للطائفة
*الحق أن حركة المهدية تحولت من حركة تجديدية شاملة إلى طائفة دينية مغلقة يتوارث قيادتها الأبناء عن الآباء كابرا عن كابر، فالأمام الأول عبد الرحمن بن الإمام المهدي، والثاني الصديق بن عبد الرحمن، والثالث هو الهادي بن عبد الرحمن، والرابع الصادق بن الصديق بن عبد الرحمن المهدي؟
- هذا ما يبدو من الشكل الظاهري، وإذا تتبعت تاريخ المسلمين الأول والخلافة الراشدة، تجدهم اختاروا إمامهم بطريقة تختلف عن الأخرى.
أما ما يتعلق باختيار السيد عبد الرحمن فهو كان الابن الوحيد الذي بقي من نسل الإمام المهدي مع أخيه علي، ولم يسم إماما إلا بعد قرن من ميلاد الإمام المهدي 1944م، وكانوا يسمونه "ود المهدي"، والإمام عبد الرحمن عين ابنه الصديق إماما، وتوفي الصديق في عصر المواجهة، أما الإمام الهادي فقد اختير عبر كلية انتخابية من خمسة أشخاص (يحيى المهدي، وأحمد المهدي، وعلي المهدي، والصادق المهدي، والهادي المهدي)، وقد حدث تطور كما تلاحظ من التعيين للانتخاب، وفي هذه المرحلة كونا نحن هيئة شئون الأنصار، وهي مؤسسة دينية تعبر عن الأنصار، وما يؤمنون به من فكر.
هذه المؤسسة وضعت شروطا لاختيار الإمام، وهذه الشروط مأخوذة من مرجعية المهدية نفسها؛ "من تقلد بقلائد الدين، ومالت إليه قلوب المسلمين"، وانعقد مؤتمر 2002، وقد صعد له الأنصار من كل قواعد الأنصار من جميع أنحاء السودان، وقد انطبقت الشروط في السيد الصادق المهدي، ليس لأنه "ابن المهدي"، وهذا تطور، فقد انتخب ليس من خمسة من بيت المهدي، بل من كل قواعد الأنصار، والإمامة نفسها عندنا الآن إمامة مؤسسية، فالإمام المختار الآن يخضع للمبادئ والشروط والبرامج التي وضعتها هذه المؤسسة، والإمام ملزم بالالتزام بالمبادئ وتطبيق البرنامج.
بين الروحي والسياسي
*ما هي وظيفة الإمام ودوره؟
- قيادة هذه المؤسسة "شئون الأنصار" هي العمل على تحقيق المبدأ العام "أنا عبد مأمور بإحياء الكتاب والسنة المقبورين حتى يستقيما"، وقد أطر هذا المبدأ في أهداف: الحوار مع الآخر الملي، الحوار مع أهل الملة، إنهاض هذه الأمة، تطبيق الأحكام الإسلامية على الخاص والعام،
وهي شئون الأنصار بها عشرة أمانات لخدمة هذه الأهداف، منها أمانة للمرأة، وأمانة لمنظمات المجتمع المدني، والبيعة نفسها اعتراها تجديد ومواكبة "بايعناك على قطعيات الشريعة، بايعناك على بيعة الإمام المؤسس الأول وخليفته -محمد أحمد المهدي والخليفة عبد الله التعايشي-، بايعناك على بيعة الإمام المؤسس الثاني –السيد عبد الرحمن- وخليفتيه –الصديق والهادي ابنا عبد الرحمن المهدي- بايعناك على الشورى وحقوق الإنسان، بايعناك على الطاعة المبصرة فيما يرضي الله ورسوله، والله على ما نقول شهيد، بايعناك على صلاح الدنيا وإدراك الآخرة".
هذا تجديد واضح، في البيعة واختيار الإمام.
*هل للإمام دور سياسي أم روحي؟
- كلاهما، الإسلام لا يفصل بين هذا وذاك، فللإمام دور سياسي وتعليمي وديني بما يحقق النهضة لهذه الأمة، وتساعده في ذلك المؤسسة، وهذه قضية واضحة.
*كان للسيد الصادق المهدي رأي قديم أن الإمام الواجب الاتباع سياسيا كان الإمام عبد الرحمن، وعلى الأئمة من بعده ألا يتدخلوا في قرارات الحزب؟
- ليس هناك تراجع، ورأي الإمام الصادق المهدي كان واضحا في أن الاختلاف الذي حصل كان حول دور إمام الأنصار في قرارات حزب الأمة، فحزب الأمة حزب سياسي له مؤسساته، وهيئته البرلمانية، وهيئة مركزية، فإذا اتخذ هذا الحزب قرارا فإنه لا يحق لإمام الأنصار بما لديه من سلطة روحية أن يلغي هذا القرار باعتباره إماما للأنصار، وهذا الأمر سار حتى اليوم، ولا يجوز للإمام أن يتدخل في قرارات الحزب بصفته إماما للأنصار.
*للإمام الصادق المهدي آراء مخالفة لقطعيات الشريعة، كرأيه في الميراث وغيرها، ألا يخالف هذا منطوق بيعتكم له على قطعيات الشريعة؟
- ورد كلام الصادق المهدي هذا في اثنين من كتبه "جدلية الأصل والعصر"، و"نحو مرجعية إسلامية متجددة"، لم يضع الصادق المهدي في أي منهما فتوى واضحة أو رأيا قاطعا، ولكنه ذكر أن القرآن ذكر أن "للذكر مثل حظ الأنثيين"، وقال إن ذلك ليس قاعدة مطردة، فالمرأة قد تأخذ أكثر من الرجل في بعض الحالات.
* (مقاطعا) بل قال إن الذكر والأنثى يجب أن يأخذا ذات النصيب من الإرث إذا تساويا في درجة القرابة...
- وقال هذا رأي يُترك لأهل البحث من الفقهاء، وأنا لا أقول إني عالم شريعة، ولكنني درست شريعة، ووجدنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه منع سهم المؤلف قلوبهم وقال "إن الإسلام الآن في عزة ولا يحتاج تأليف قلوب"، فربط الحكم بعلة، وفي الشريعة هناك أحكام تدور مع علتها حيث دارت، وفي مسألة الميراث، لم يقل السيد الصادق المهدي إنه لا يريد حكم الله، بل قال عندما أصدر الله حكم الميراث، كانت المرأة نفسها جزءا من الميراث، كانت المرأة نفسها تورث، فمن ثم دعا السيد الصادق علماء الإسلام ليناقشوا هذا الأمر، وإذا رأوا أن هذه المسألة يمكن أن يعاد فيها النظر فممكن، وقوله رأي -ومن حقه أن يقول رأيه، وهو اجتهاد مشروع، ولكن لا يجوز لأحد أن يلغي حكم الله لا السيد الصادق المهدي ولا غيره.
أنا سمعت وقرأت ردود كثيرين عليه، وقد فهموا المسألة فهما غير صحيح، وكان الأحرى أن يتثبتوا، وهي قضية فقهية محلها أن تدرس في المجال الفقهي.
*بتتبع تاريخ جماعة الأنصار نجدها في تراجع، فما قولكم؟
- إذا أردت أن تعمم فالأمة كلها في تراجع، فالمسلمون في بدر كانوا ثلاثمائة، ولكنهم انتصروا، والآن مليار وثلث المليار ولا شيء، هذه هي حالة الأمة الإسلامية كلها، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "أمتي كالمطر لا يعلم أولها خير أم آخرها".
ثم ما هي مقاييس التراجع، إن كانت مقاييس التراجع والتقدم مادية؛ نقول "نحن الآن في تراجع" ولكن المقاييس روحية ومعنوية وفكرية، نقول إن الحركة الأنصارية الآن لديها مدرسة فكرية واضحة المعالم، لديها أهداف واضحة، لديها مؤسسة تحميها من الذوبان، لأن لديها لوائح وأفكار ودستور، وغير مرتبطة بالأشخاص، نموت نحن ويأتي من يمضي بالمسيرة.
صحفي سوداني

الجمعة، 4 سبتمبر 2009

عبد المحمود أبو : الصادق حدد مرتكزات السلام منذ الستينات واتفاقية نيفاشا من بنات أفكار حزب الأمة
لماذا ظلت الديمقراطية لسان السيد الصادق المهدي ، رئيس حزب الأمة وإمام الأنصار ؟! وأين الاطروحات والنهج الفكري لحزب الأمة ؟ ولماذا صمت الحزب عن شعار « الصحوة الإسلامية »؟ وكيف ينظر إلى مصير الجيل الجديد الذي انتسب لحزب الأمة وهو يقدر أن نهج حزبه ومسعاه هو الديمقراطية ؟ - قضايا فكرية متعددة طرحتها «أخبار اليوم » على الشيخ عبد المحمود أبو الأمين العام لهيئة شئون الأنصار .
وأبو أكد أن النهج الفكري للأنصار مطروح على الساحة إلا أن « العيب » في الإعلام الذي يسعى وراء السياسة والإثارة حسب تعبيره ! وقال أمين هيئة شئون الأنصار إن الأطروحات التي يتبناها النظام الآن ، هي من صميم « بنات أفكار » حزب الامة !! وقال الشاهد في ذلك أن إتفاقية السلام التي وقعت مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة دكتور « قرنق » في التاسع من ديسمبر الماضي كان فهمها العام منبثقاً من طرح قدمه السيد الصادق المهدي في منتصف ستينات القرن الماضي .
وأبو أيضاً أجاب عن السؤال التالي :ما هو رأيكم فيما قاله رئيس الحزب بالجبلاب .. هيجنا عليهم ياجوج وماجوج ؟! والحوار الذي أجرته « أخبار اليوم » مع الشيخ عبد المحمود أبو في مكتبه بالأمانة العامة لهيئة شئون الأنصار بأم درمان ودنوباوي شمل الشأن الأنصاري بشكل عام : وهذا نص الحوار حوار :
نور الدين أبو بكر { الشيخ أبو الآن ما يتردد عن حزب الأمة هو المطالبة بالديمقراطية ، وهو مطلب ثابت ومتكرر لإمام الأنصار ، أين الفكر الأنصاري ، وماذا تمثل الديمقراطية لكم ، هل هي نهج . .أم ايدولوجية ، أم وسيلة ؟- الإشكال صنعه الإعلام ، حزب الأمة حزب سياسي يعبر عن موقفه السياسي للأنصار والسودانيين المسلمين بصفة عامة وكذلك السودانيين غير المسلمين يعبر برؤية فكرية محددة ، منطلقة من مرجعية فكرية قوامها أن السودان يمثل جسر التواصل بين افريقيا والعروبة وفي السودان تتلاحق كل الديانات المتنوعة والديانات المتعددة والاثنيات والأنصار داخل حزب الأمة ليس وجوداً مظلماً .
{ هل تعني بذلك أن الحزب كيان جامع ، والأنصار جزء من الكل ؟-
ليس هناك جماعة منظمة تسمى جماعة الأنصار داخل حزب الأمة أن كل الأنصار داخل حزب الأمة بصفتهم الفردية { إن المحور السياسي هو الجانب الأبرز في الشأن الأنصاري ، أين نهج وفكر الأنصار ؟-
هيئة شئون الأنصار مؤسسة دينية تعبر عن الرأي الفكري والثقافي للأنصار ، وانشتطها منحصرة في كل الأنشطة الإنسانية عدا السياسي الحزبي ، وهي متمددة في المجتمع السوداني عبر المساجد والندوات الفكرية الدينية ، وفي الخلاوي المنتشرة في كل ربوع السودان .
{ خطبة الجمعة .. أليست جانب سياسي للهيئة ؟-
خطبة الجمعة هي الخطبة الفكرية الأولى ، فهي تناقش قضايا فكرية محددة ، وهي من تبعات جسم هيئة شئون الانصار ، فالهيئة تتناول الهم الإسلامي العام في السودان أو عبر مؤتمرات دولية خارج السودان الهيئة تناقش قضية التسامح الديني والحريات وحقوق الإنسان ، وقضية الحوار مع الحضارات والديانات الأخرى ، فهي تشكل حضوراً فكرياً بالساحة الداخلية والعالمية .
{ ذكرت جوانب سياسية في حديثك ، هل تنفي أن الجوانب السياسية أكثر حراكاً بالهيئة ؟-
كل ما ذكرته يصب في الجوانب الفكرية ، والإشكالية في أجهزة الإعلام ، فهي مشغولة فقط بالجزئية السياسية ، أن الإعلام في الغالب يهتم بالقضايا السياسية والنقض على الحكومة في سياساتها وتشكل الإثارة حضوراً في أجهزة الإعلام ولا تبرز من الجانب الفكري الذي تمارسه الهيئة لذلك العيب أتى من ذلك الجانب وليس لأن الهيئة تعمل في المجال السياسي .. فإن عمل الهيئة يحكمه نظام أساسي وبالرجوع للأمانات المتخصصة يتبين عمل هيئة شئون الأنصار .
{ في تقديرك هل يؤدي ذلك لإبـراز الفكـر الإنصـاري وفقاً للواقع ؟-
العمل يتم وفقاً للأمانات فهناك أمانة للدعوة والإرشاد وأخرى للشباب والطلاب ، وأمانة للمرأة وأمانات للثقافة والإعلام والعلاقات الخارجية ، إضافة لأمانة مستحدثة اسميناها أمانة المجتمع المدني أما التقدير ، فهذه إشكالية في الإعلام ، وهذه قضية شاهدة للعيان ويعيشها الناس ، الإعلام كل ما ظهرت مواقف من بعض الجهات يمكن أن تحدث حراكاً في الساحة السياسية تسعى من أجل السبق الصحفي كثيراً ، وهي قضايا في تقديري لا تفيد المجتمع كثيراً ، فهي معلومات يطلع عليها الناس وليست ذات فائدة ، أما القضايا الأخرى ، فهي ذات عمق ، تناقش قضايا المجتمع المستعصية .
{ بالرغم من ذلك فإن معظم الجيل الحالي ، يعرف عن الإنصارية أن قيادته .. مطلبية .. وشعار الديمقراطية والمطالبة بها هو الراجح في ذلك ، وفي واقع الأمر أن إمام الأنصار يتحدث عن الديمقراطية أكثر مما يتحدث عن النهج أو الفكر الأنصاري ، كيف تنظر لذلك ؟-
الجانب الفكري قضية معاشه ، وممثلة في إطروحات حزب الأمة منذ الستينات .. إذا كنا منصفين أن الأفكار التي تسود الساحة الآن أفرزها حزب الأمة وقادته . والحديث عن الديمقراطية ، لأن الديمقراطية أصبحت هما عاماً للسودان والأنصار ، ومرتبطة بالتداول السلمي للسلطة ، واتفاقية السلام إذا لم تكن مرتبطة بالتحول الديمقراطي للسلطة لن تحقق الاتفاقية أهدافها ولن تترسخ كثقافة في المجتمع .الديمقراطية تشكل هم عالمي ، الحراك السياسي في كل المنطقة العربية ، الشعوب تريد أن يكون لها دور في مصيرها الديمقراطية تعتبر ضرورية في المرحلة الحالية .{ ما هي المرجعية في ذلك ؟- هناك ضرورة .. المشاكل بين الشعوب والحكام ؟
المشاكل بين الحضارة الإسلامية والغربية ، التمنية الحلول تتم في إطار التداول السلمي للسلطة .
{ الشيخ أبو أين كل ما ذكرت من الأنصار .. يقال الآن إن الأنصار فقدوا مرجعيتهم الفكرية ؟-
ليس صحيح ، الامة في مؤتمره الأخير سمي برامجه برامج الوثبة ، ينطلق من مرجعية حزبية يعتمد عليها حزب الأمة ، تمكن من تطوير الخطاب السياسي دون التراجع والتخلي عن المرجعية الفكرية فبرامج الوثبة ناقش القضية الفكرية في إطار العلاقة بين المسلمين وغيرهم ، العلاقة بين الثقافات ، والعلاقة بين الأثنيات ، وحدد برامج معينة تحقق الوحدة في ظل التنوع ، فعندما تنادي الحزب بضرورة التحول الديمقراطي فإنه ينطلق من هـذا الموقف .. من مرجعية فكره .
{ مرجعية الفكر هنا أيضاً لم تخرج من إطار المناداة بالديمقراطية .. فهل يمثل كل ذلك أدوات الوصول إلى السلطة ؟-
شرعية السلطة تعتمد على إختيار الشعوب ، وليس على القوة والإنقلاب والوراثة ، وعندما ينادي بالتعايش السلمي للديانات والثقافات ، ينطلق من مرجعية فكرية قوامها التسامح والتعدد كضرورة اجتماعية وعندما ينادي بتحكيم الأغلبية المسلمة في الشمال بمبادئ دينها وإعطاء الخيار للديانات الأخرى لتحتكم إلى مبادئها فإنه ينطلق من مرجعية فكرية أساسها .. « لا إكراه في الدين » وعندما ينادي بإستصحاب منجزات العصر التي لا تتناقض مع مبادئنا وعقيدتنا فإن مرجعيته الفكرية التوفيق بين الأصالة والمعاصرة .فالخلفية الفكرية تشكل حضوراً في كل المواقف السياسية التي يتبناها الحزب .
{ هل يمكن أن يخرج ذلك من التنظير ؟-
الشاهد .. في عام 1964أصدر السيد الصادق المهدي كتاباً تحت عنوان « الإسلام ومسألة جنوب السودان » .. في ذلك الكتاب تحدث أن مشكلة الجنوب مع الشمال ليست مشكلة أمنية ، وإنما هي مشكلة ثقافية وفكرية ، عليه فإن حل مشكلة جنوب السودان يتم عبر الحوار والتفاوض ، وكان هذا المبدأ مرفوضاً من قبل السلطة الحاكمة وكثير من الأحزاب السياسية .الآن في عام 2005 م حلت مشكلة جنوب السودان عبر التفاوض في نيفاشا .الأمر الثاني ، ظل حزب الأمة منذ الستينات يتحدث عن ضرورة التعايش السلمي بين الثقافات والأديان ، ورفض الهيمنة الأحادية الدينية أو الثقافية ، وكان آخرون يتحدثون عن أن الأغلبية تفرض هيمنتها على الآخرين ، واتفاقية السلام الأخيرة جاءت تحمل أفكار حزب الأمة فحزب الأمة ظل يتحدث عن أن التركيبة الإجتماعية في السودان متعددة ولا يصلح لهذا المجتمع إلا النظام الديمقراطي الذي يكفل الحريات العامة وحقوق الإنسان والتداول السلمي للسلطة وسيادة القانون ، وكان هذا المبدأ مرفوضاً من النظام الحالي الآن اتفاقية السلام جاءت تحمل هذا المعنى .
{ ما ورد في الاتفاقية لم تفاوض فيه حكومات سابقة وقد جاءت الآن وفقاً لمفاوضات طويلة وهذا معروف ؟ فكيف يتفق ذلك مع ما ذكرت ؟- هذه الأفكار منشورة ، فلا مجال للمغالطة في هذا الجانب !{ إذن النظام والحركة الشعبية تعاملا بأجندة الحزب دون إعلان ذلك ؟-
لم أقل ذلك اتحدث عن أفكار حزب الأمة التي كانت مرفوضة وتم تبنيها دون أن يعترف الذين تبنوها بالملكية الفكرية لهذه الحقوق .
{ إذن أنتم الأقرب في المشاركة في الحكم وفقاً لما ذكـرت مـا هو رأيك ؟-
أعتقد أن الحزب قد حدد موقفه بيانات نشرت وتحفظاته على اتفاقية السلام مع ترحيبه على إيجابياته.
{ في الشأن الأنصاري .. ما طرحته بعيداً عن قواعد الأنصار .. الآن قواعدكم أصبحت تغير من انتمـائها الحزبي هل هذا صحيح ؟-
قواعد الحزب لا زالت محافظة وسليمة ومعافاة وهي قادرة على حسم اي تجاوز يحدث من أفراد أو جماعات تخرج عن خط الحزب العام ، واعتقد أن مؤتمر هيئة شئون الأنصار ومؤتمر حزب الأمة ، وصلاة عيد الفطر في ودنوباوي والأضحى بالجزيرة أبا وزيارات الإمام ورئيس الحزب إلى دارفور وكردفان والشمالية ونهر النيل تؤكد هذه الحقيقة التي تحدثت عنها بأن قواعد الحزب متمسكة بمبادئها وحزبها وقياداتها .
{ حزب الأمة متهم بالتعامل الوراثي في الإطار السياسي أو الأنصـار مثل الإمـامة .ما هو رأيك ؟-
هيئة شئون الأنصار لها أجهزتها ونظامها والإمامة نفسها إمامة مؤسسية وليست وراثة .
{ يشار بذلك الإتهام لتعدد المناصب في بيت الإمام ؟-
لا يترقى الإنسان في الحزب إلا بالإجتهاد والجهاد ورضي الناس بهذا وهي مقومات شرعية .
{ علاقتكم بالطائفية ؟- حزب الأمة ليس طائفي ، بل مدني سياسي ، خطه السياسي واضح وبرامجه واضحة وتولي المسؤوليات فيه تتم عبر معايير ومبادئ محددة
{ فصائل وأخوة لكم يحملون هذه المبادئ أيضاً ، مثل السيد مبارك الفاضل وهم أنصار ، كيف تنظر لإمكانية التوحيد بين هذه المجموعات ؟-
هذا أمر تقرر فيه أجهزة حزب الأمة .
{ وفقاً للديمقراطية الثالثة ، فإن معظم قواعد الحزب بدارفور ، فما هو جهدكم لحل إشكالية الاقليم ؟-
دعينا إلى حل مشكلة دارفور ليس حلاً أمنيظاً ، بل حل سياسي ، فدارفور تشكو من مظالم سياسية وتنموية وثقافية ، لا يفيد الإنكار المطلوب تبديد المخاوف من أهل دارفور
{ ما هي هذه المخاوف ؟-
مخاوف التهميش ، وإيجاد سياسات واضحة واجراءات عملية تؤكد جدية المركز في الإهتمام بقضايا الأطراف ، ونحن دعونا إلى عدم زج القبائل في هذه الحروب ، لأنها إن أخذت بعداً عرقياً أو قبلياً سوف تؤدي إلى تمزيق السودان .
{ في حديثه عن إشكالات النظام قال السيد إمام الأنصار ورئيس حزب الأمة .. « هيجنا عليهم ياجوج وماجاوج » فماذا يعني بذلك ؟-
هذا تلخيص للمشاكل التي ستواجهها الحكومة لو حاولت أن تنفرد بتقرير مصير السودان دون أهله ، واعتقد أن بوادر هذه المشاكل ظهرت الآن في الساحة مثل مشكلة دارفور التي تناقش الان في مجلس الأمن ، ومشكلة الشرق التي تفجرت الأسبوع الماضي ، كلها تؤكد ما ذهبنا إليه ، إن الحلول الثنائية تحمل بذرة فنائها في داخلها ولا مخرج للسودان من أزمته الحالية إلا بالحل الشامل الذي يرتضيه الجميع .
{ لم يقل السيد الصادق المهدي « سنهيج » بل قال « هيجنا » عليهم ياجوج وما جوج ، ما هو ردك ؟-
يعني دور حزب الأمة في مواجهة الشمولية منذ الإستعمار ، نظام عبود ، نظام نميري ، نظام الإنقاذ في بدايته ، كان له الدور الأكبر في الحراك السياسي ، وقادر على لعب نفس الدور والأكثر إذا كانت ضرورة لذلك !

الخميس، 3 سبتمبر 2009


الأمين العام لهئية شؤون الأنصار بالسودان (1/2)
عبدالمحمود أبو: المهدي ظهر وانتهى
وليد الطيب

الشيخ عبد المحمود أَبُّو
شغلت فكرة المهدي، الذي يملأ الأرض عدلا العقلَ المسلم في إفريقيا طوال القرون السابقة، وظلت هذه الفكرة هي الباعث على الانقلاب على الأوضاع القائمة على أعمدة التصوف الباطني والطُّرُقِي، كما كانت المحرك على الثورة على الاحتلال والظلم والمدخل للتجديد الديني، وقد ظلت تلك الفكرة الخلاصية وتجلياتها تتمتع بالقبول والاحتفاء بالنظر للحالة الدينية لتلك الفترة من عمر الإسلام في إفريقيا جنوب الصحراء.الإمام محمد أحمد المهدي، كان مثالا واضحًا في تمثل فكرة "المهدية" بكل ما فيها من محمولات فكرية وروح جهادية، وقد تمكن المهدي من قيادة قومه للحرية من قيد الاحتلال الخارجي والسمو عن واقع الخرافة الذي ساد السودان عهدا طويلا.. ولكن هل المهدي السوداني وهو المهدي الذي بشرت به الأحاديث النبوية، وكيف تحولت هذه الحركة الدينية إلى حزب سياسي يعبر عن الطائفة الدينية، وينفصل نسبيا عنها في الشأن السياسي، هل هذه حالة علمانية تلبست هذه الطائفة الدينية؟ أم إنها اجتهاد متقدم زمنيا على محاولات حركات الإخوان المسلمين في العالم في الفصل بين السياسي والدعوي، وإلى أي مدى تستطيع هذه الطائفة / الحزب التوفيق بين هذين المتناقضين في حال انفصال القيادة، التي يشغل السيد الصادق المهدي الآن قيادة تركيبتها فهو إمام الطائفة ورئيس الحزب.
هذا الحوار مع الشيخ عبد المحمود أَبُّو، الأمين العام لهيئة شئون الأنصار –أعلى منصب قيادي بعد منصب أمام الطائفة- يستوضح فكرة المهدية وما يكنفها من إشكالات، وكذلك العلاقة بين الدعوي والسياسي وأيهما يقود الآخر، كما يستكشف الحوار الجهود المبذولة من قبل عبد المحمود بالتعاون مع الصادق المهدي من أجل تطوير الطائفة وجعلها أكثر مدنية وأبعد من صورتها التاريخية المعبأة بروح القتال والالتزام الحاسم بظاهر الشريعة الإسلامية.. وهي المحاولة التي ظلت تجد معارضة حتى من داخل البيت المهدوي.
الحلقة الأولى
* ما أهم مراجعات حول فكرة المهدي وتجربتها في السودان؟
ـ اختلفت آراء الإسلاميين حول فكرةالمهدي، وقد أنكرها أقوام كالدكتور حسن الترابي مثلا، وأثبتها آخرون، وادعت بعض الطوائف أن زعماءها هم "المهديون"، فما هي رؤيتكم كطائفة دينية تتبنى هذا المفهوم وتؤمن به في مجمل الفكرة؟
الفكرة المهدية لم ترد بنصها في القرآن الكريم وكتب الصحاح بصورة واضحة، ولكنها وردت في كثير من الأحاديث، وأشهر المفسرين الذين تعرضوا لها الإمام ابن كثير تعرض لها وهو يفسر قوله تعالى: "{وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}، النور: 55، فسر هذه الآية بأن الرسول صلى الله عليه وسلم، ذكر أنه ما يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر خليفة والمهدي منهم"، ثم ذكر أحاديث كثيرة، نحن أحصيناها فوجدناه نحو ثلاثين حديثاً، كلها تتحدث عن المهدي.
ابن خلدون أنكر أمر المهدية باعتبار أنها تمثل حركة ثورية ضد السلطان القائم، وابن خلدون من العلماء الذين كانوا يحرصون الاستقرار، المهدية بهذا الفهم واردة، عن رسول الله، والله سبحانه وتعالى طلب منا أن نؤمن برسول الله صلى الله وعليه وسلم والإيمان بالرسول يقتضي تصديقه بكل ما أخبر، ومما أخبر به الحديث الذي ذكره ابن كثير: "ما يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر خليفة والمهدي منهم"، ومنها الحديث الذي قال فيه: "لن تهلك أمة أنا أولها والمهدي أوسطها وعيسى آخرها"، وقال: "لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلا من آل بيتي وعترتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وفسادا".
إذن هناك نصوص كثيرة صحت عندنا، وعند كثير من العلماء بأن الرسول صلى الله وعليه وسلم أخبر بقدوم مهدي، ولكن عندما نأتي لتصور المهدي وفهم هذه النصوص يكون هناك اختلاف.
* في الأحاديث النبوية التي يأخذ بها المثبتون لفكرة المهدي، وردت صفات ووقائع على المهدي، كأن يبايع بين الركن والمقام وغيرها، فهل تتفق الصفاتمع صفات المهدي السوداني وصفة خروجه؟
ـ أولا: لكي نوضح مدرسة المهدية في السودان، واختلافها عن المدارس الأخرى فبالاطلاع على كل من ادعوا المهدية، وقالوا بها نجد هناك عشر مدارس: الشيعة لديهم ثلاث مدارس: المدرسة الاثنا عشرية، التي تقول إن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري الذي ولد في عام 255هـ، واختفى في غيبة، كما يقولون.
وهناك المدرسة السبعية أو الإسماعيلية التي تقول إن المهدي هو إسماعيل بن جعفر الصادق، وهناك المدرسة الزيدية التي تقول إن كل إنسان من ذرية الحسين قام ضد الظلم وانتصر للحق فهو المهدي.وهناك التصوف فهو لديه أيضا مدرسة وهي مدرسة غيبية ترى أن المهدي هو غوث الزمان، وهناك الفلاسفة فهم يدعون إلى مدينة فاضلة وعلى قمتها مهدي، ثم أهل السنة والمدرسة التي تقول إن المهدي يأتي في آخر الزمان، كذلك هناك حديث لدى بعض المدارس عن بعض الشروط والعلامات ومنها تلك الشروط التي تفضلت بذكرها: أنه يظهر بين الركن والمقام وأنه يكسر الصليب ويصلي بعيسى... إلخ.
* المهدية في السودان التي أعلنها محمد أحمد بن عبد الله، لا تتفق مع كل تلك المدارس، لماذا؟
ـ لأنها ربطت المهدي بشخص محدد في وقت معين وبشروط معينة وبتحديدات معينة، فالمهدي السوداني مهديته (وظيفية)، جاء ليملأ مقعد الخلافة المصطفوية الذي خلا.
المهدية الوظيفية
* ولكن هذا التوصيف يخالف ما يراه المهدي نفسه، فهو كان يؤكد أنه المهدي الخاتم، لم يكن يرى أنه مهديٌّ وظيفيٌّ، بل كان يقول مطلع دعوته: "إنني المهدي المنتظر ومن شك في مهدي فقد كفر"!.

الصادق المهدي إمام الطائفة ورئيس حزب الأمةـ ولا يزال يقول مطلع دعوته وطوال حياته إلى أن توفاه الله إليه، ونحن الآن نقول ذلك، فالمنتظرية هنا ليست فكرة طوباوية، فالمنتظرية تقوم على أن شخصا ما ينتظر، لكي يجدد أمر الدين، عند الشيعة هو شخص معين، وعند أهل السنة شخص يبايع بين الركن والمقام، وعندنا نحن -ونحن من أهل السنة- نعتقد أن المهدي، ليس شخصا يبايعه الناس بين الركن والمقام، فلو زرت الكعبة المشرفة ترى أن المسافة بين الركن والمقام مسافة معينة، ولا يعقل أن يأتي شخص من السماء، ليعلن للناس أنه المهدي المنتظر، وقد فعل ذلك من قبل "جهيمان" في بداية هذا القرن، وادعى أنه المهدي المنتظر واحتل الكعبة المشرفة، وقتل من قبل السعوديين، وظن كثير من الناس أنه المنتظر، فهذا ليس موجودًا في الفكر الإسلامي، فلو نظرت في نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، ليس فيها هذا المفهوم، الذي فيه خوارق عادات، فمفهوم الرسالة الخاتمة يقوم على منهج خارق موضوعي، هو القرآن الكريم، الحجة الباقية، فالشرط الذي ذكره رسول الله: أن المهدي اسمه يماثل اسم نبي الله، واسم أبيه هو اسم والد رسول الله، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وفسادا، هذه الشروط وجدناها انطبقت في الإمام محمد أحمد المهدي في السودان، ولكن سيظل هذا الكلام مثار خلاف بيننا وكثير من أهل السنة والصوفية، وبيننا والشيعة ومثل هذه المسائل العقدية لا يمكن أن تحسم؛ لأن مناطها التصديق، لكن المنهج الذي أتى بها وهو الذي ندعو له الناس، هذا المنهج: "أنا عبد مأمور بإحياء الكتاب والسنة المقبورين حتى يستقيما".
* لماذا ظهر في السودان؟
ـ أنت تعلم أن الفترة التي ظهر فيها في السودان، كانت السلطنة العثمانية صارت ضعيفة لدرجة أنها أصبحت مدخلا للاستعمار، ثم خضعت أجزاء كبيرة من العالم الإسلامي للاحتلال.
* هل تعني أنها كانت ثورة تحرر ومشروعا وطنيا؟
ـ المشروع الوطني جزء منها، هي دعوة إصلاح ديني ودعوة تجديد إسلامي وفي نفس الوقت دعوة تحرر وطني في آنٍ واحد، فهي دعوة وثورة.
* لو سلمنا بأنه "مهدي وظيفي"، فإن هذه المفهوم يسمح بظهور مهديين جدد، هل ترون أنه يمكن أن يظهر مهدي آخر في السودان؟
ـ بالنسبة لنا المهدي الذي بشر به الرسول الله صلى الله عليهوسلم، ظهر وانتهى، ولكن لا يمنع هذا ظهور مصلحين آخرين، ولكن لا يمكن أن نطلق عليهم "المهدي"، وإذا أراد أتباعهم إطلاق ذلك اللفظ، فلهم ذلك.
مآخذ على المهدي السوداني
* أُخذ على الإمام المهدي بعض المآخذ، كالاعتماد على الرؤية المنامية كمصدر للتشريع وحمل الناس على مقتضاها، والقول "أخبرني سيد الوجود يقظة لا مناما"، فما قولكم في ذلك؟ـ لم يعتمد المهدي على الرؤية كمصدر رئيس للتشريع بل مصدر مكمل، فالتشريع يعتمد على الكتاب والسنة، واعتماد المهدي على الرؤية جزء من المناخ والعقلية الدينية في السودان، التي سيطر عليها التصوف، حيث سيطرت كتابات ابن عربي والحُجّاج الذين قدموا من غرب على الحياة العقلية في السودان، فالرؤية عند المهدي لتأكيد ما هو مؤكد، فكما تعرف أن مصادر المعرفة (الغيبية) في الإسلام أربعة: الوحي والإلهام ومنها الرؤيا، والنبي كان نبوته ستة أشهر رؤيا صادقة، والنبوة.
* لكننا نجد أن هذه الرؤيا أصبحت منهجا في المهدية، فالخليفة عبد الله خليفة المهدي أيضا أخذ بها كما في معركة كررى، هو ما لا يتفق مع ما ذهبت إليه؟
ـ نحن المسلمين أُمِرْنا أن نستخير وأن نستشير ونستأنس بالرؤيا الصادقة لليقين، ولكن لا نعتمد عليها كمصدر للتشريع، والإنسان الذي يعيش التجربة الروحية يعلم معنى قيمة الرؤيا الصادقة في إكساب الإنسان اليقين.والرؤيا الصادقة مصدر للتشريع عند الأنبياء، وهي من الوحي كما في قصة سيدنا إبراهيم ومحاولته ذبح إسماعيل عليه السلام.
ومصادر التشريع في الفكر المهدوي هي الكتاب والسنة كما قال الإمام المهدي: "أنا عبد مأمور بإحياء الكتاب والسنة المقبورين حتى يستقيما".
* ذكر الدكتور مكي شبيكة في كتابه من تاريخ السودان أن المهدي اكتشف في أواخر حياته أنه ليس بالمهدي المنتظر، كما في كلامه الذي أسرَّه لأمير شمبات من "أن المهدية لم تأت على وجهها الصحيح"، فهل أنتم تؤمنون بأنه المنتظر؟
ـ أنفي هذا الكلام نفيا تاما، فالمهدي حتى آخر حياته كان يؤمن أنه هو المهدي في قرارة نفسه بأنه المهدي المنتظر، وقد أصدر منشورا للناس أنه اعتكف للتفرغ لربه في رمضان، ويأمرهم فيه بالذهاب للخلفاء والأمراء لقضاء أمورهم المختلفة، وهو في خلوته تلك أصدر دعاء صلاة القيام في رمضان، وهو قمة في الابتهالات الروحية والأدب الرفيع.
* تُتهم الحركة المهدية بأنها إقصائية للآخر الملي، فهي قد رفعت العمل بالمذاهب الفقهية الأربعة المشهورة، كما ألغت الطرق الصوفية السودانية، فما هو موقف المهدية من الذين هم خارجها؟
ـ المهدي كان يعتبر أن كثيرا من الكتب التي ألّفها كثير من العلماء أبعدت الناس عن الطريق الحق، وأنه أعاد الناس إلى الكتاب والسنة، ولكنه كان يحترم أئمة المذاهب، قال عنهم: "بارك الله فيهم، وصلوا وواصلوا"، وبالنسبة للطرق الصوفية فنحن -الأنصار- حتى يومنا هذا نرى أن كثيرا من الناس تعصبوا لشيوخهم وطرقهم، وربما هذا التعصب أبعدهم عن جوهر الدين، وكان الإمام المهدي حريصا على إعادة الناس إلى جوهر الدين، ويحترم الطرق، لكن ربما في تلك المرحلة وهو يواجه حملة استعمارية وغزوة ثقافية.. ربما اتخذ من السياسات تدخلا في باب (السياسة الشرعية)، وهي سياسات وقتية، وكان المهدي يدرك أنها لا تصلح إلا لتلك المرحلة، ولذلك وضع قاعدة ذهبية في فقه الحركة "لكل وقت ومقام حال، ولكل زمان وأوان رجال".
* من خلال مطالعة راتب الإمام المهدي ومنشوراته الفقهية، نجده أن في الفقه أقرب للفقه الشافعي، وفي العقيدة أقرب لاختيار الإمام أبي الحسن الأشعري، كما في قوله متوسلا: "اللهم أسالك بحق استيلائك على عرشك"، فهل كان المهدي أشعريا في العقيدة شافعيا في الفقه؟ـ المهدي لما ظهر وجد العقيدة قد اختلط بها مفاهيم فلسفية ومقولات المنطق، لدرجة أنها أبعدت الناس عما أراده الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأنت لكي توحد الله تعالى -في تلك الفترة- مطالب بأن تقرأ كتبا كثيرة جدا، تجعلك في نهاية الأمر في بلبلة في فكرك وآرائك وعقيدتك، فهو أعاد العقيدة لبساطتها، حين قال: "اعلموا أن أصل التوحيد الشهادتان، تتضمنها سورة الإخلاص، مع معرفة معانيهما –أي الشهادتين- تكفي)، وقال في راتبه بعد الشهادة: "اللهم أنت الواحد الذي بيده الغائب والشاهد، فثبت شهادتي هذه على ما يرضيك ونورها بنورك الذي نورت به شهادة الأنبياء والمرسلين والملائكة والمقربين واجعل لي من حظ اليقين، كما أعطيته من الرسوخ والتمكين حتى لا يتزلزل يقيني بالرياح العواصف، واجعله ملكة لا تزول... إلخ".
* هل كان أشعريًّا؟
ـ لم يكن أشعريا، ولم يكن ماتُريديا.. كان مؤمنا موحدا ورجلا مجددا، ولذلك لم يتبع مذهبا عقديا بعينه.بالنسبة للمذاهب الفقهية، فقال المهدي للمذهبيين: "إن المنبع الذي أخذوا منه هو الكتاب والسنة، وأنتم الآن بتعصبكم للمذاهب قد ابتعدتم عن روح الكتاب والسنة، فلنرجع لكتاب الله وسنة رسوله، ورسول صلى الله عليه وسلم قال: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنتي"؛ لذلك تجده في الفقه أحيانا يوافق الشافعية، كما أشرت وأحيانا يوافق آراء المذاهب الأخرى، بالنسبة لفقه العبادات العام، هو أقرب للفقه الحنفي برغم أنه ليس بمتمذهب، ونحن في هيئة شئون الأنصار الآن بصدد جمع التراث الفقهي الذي خلفه الإمام المهدي ووضعه في صورة مرجعية فقهية واضحة ليعرف الناس منهج الإمام المهدي في التعامل مع الأحكام، هو منهج فقهي ينطلق من الكتاب والسنة فقط، وقد يلتقي مع كل مذهب فقهي في مسألة من المسائل.
* أيضا تتهم الفكرة المهدوية بأنها تحمل جينات تكفيرية، فقد كفر المهدي كثيرا من رجال زمانه؟

شعار هيئة شئون الأنصارـ مسألة التكفير فيها بُعد كبيرٌ، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال في موقف من المواقف: "من لم يهاجر فقد كفر"، ولكنه ليس الكفر المخرج من الملة، وما يخرجنا من الفهم التكفيري للمهدية هو أن المهدي لم يتعامل مع من يؤيدونه بهذا الفهم؛ لأنه لو كان يعتقد أنهم كفار ودمهم هدر لأمر بقتلهم جميعا، فهو عندما جاء لفتح الخرطوم كتب منشورًا يأمر فيها بألا يقتل كل العلماء بما فيهم الشيخ الأمين الضرير الذي كان مناهضا له طوال دعوته وعلماء آخرون لم يؤيدوه.
ومفهوم التكفير في المهدية ليس هو بالمفهوم التكفيري الذي يخرج الناس من الملة، وإنما وقد تمايزت الصفوف، والناس يواجهون عدوًّا ضاربًا، والذي لا ينصر هذه الدعوة في ذلك الموقف كأنه يقوى صف الكفار.ويؤكد ذلك أيضا أن المهدي قال داعيًا في راتبه: (وأنقذني ومن صحبني ومن أحبني على حب نبيك)، فهناك أناس لم يؤيدوه، ولكن تعاطفوا معه؛ ولذلك يدعو لاستنقاذهم من النار، لذلك لم نجد المهدية ومنهج المهدي العملي من أتبع هذا القول "من شك في مهديتي فقد كفر" - حكمًا كفر به الناس.
أما منشورات الإمام المهدي، ففي تقديري، أن هناك أقوالا كثيرة مدسوسة فيها ونحن بصدد تحقيق هذه المنشورات والمرجع عندنا الراتب فهو آخر ما ألفه المهدي، وهو كتاب ليس للتبرك فقط، ولكنه منهج فيه رؤية كلية للكون والحياة، وكل منشور يتعارض مع هذا المرجع نطرحه جانبًا، ونفر من قول الإمام المهدي إلى قول الإمام المهدي.
* أنتم تبررون كل قول من أقوال المهدي، في حين أن رجالاتالمذاهب كانوا يستدركون على مشايخهم ويراجعونهم، فأين النقد في حركتكم؟
ـ طبعا عندنا "مراجعات" لبعض أقوال المهدي ولا نسميها "نقدًا" لمنهج المهدي، فالمهدي نفسه أعطانا القاعدة التي نجري على ضوئها مراجعاتنا: "لكل وقت ومقام حال، ولكل زمان وأوان رجال"، والمراجعات التي نعمل عليها، تقوم بحصر كل الأحكام والقرارات والاجتهادات التي نعتبرها وقتية الزمان ولا تصلح لغير ذلك الزمان.
وهذه المراجعات بدأها في القديم الإمام الثاني للطائفة الإمام عبد الرحمن بن الإمام المهدي، وهو من جدد الدعوة المهدية، حين أراد الجيل الذي شهد الإمام المهدي وجاهد معه إحياء الجهاد بالسيف، قال لهم عبد الرحمن هذه المرحلة لا يصلح فيها السيف وإنما العمل والمصلحة والعقل.
الآن نحن في هذه مرحلة نعمل على وضع الدعوة المهدية كلها في قوالب فكرية، لمواجهة الأفكار التي انتشرت في هذا العالم، الذي لا يصلح فيه أسلوب العنف والمواجهة وإنما الحوار والتواصل والاعتراف بالآخر، هذه المراجعات نحن نعمل على التواصل معها وتطويرها إن شاء الله.
* في 25 يناير 1885م، انتقلت الفكرة المهدية، من الدعوة إلى طور الدولة، وتتهم هذه الدولة بأنها لم تكن صاحبة مشروع حضاري، فما قولكم؟
ـ أنا أعتقد أن أول دولة إسلامية في بلاد السودان هي الدولة المهدية، وأختلف مع كثير من المؤرخين الذين يعتقدون أن السلطنة الزرقاء 1505م - 1821م، كانت الدولة الإسلامية الأولى؛ فقط لأن هنالك كسوة كانت ترسل إلى الكعبة، وبعثات ترحل إلى الأزهر، ولكنها ليست الدولة التي لها سلطان وعندها سياسية خارجية مستقلة وعندها أحكام ورؤى للقضايا الكبيرة، هو ما توفر في المهدية ودولتها، صحيح أن محاولة تنزيل الفكر النظري إلى الواقع تواجه ببعض الإشكالات، وهكذا واجه خليفة المهدي الخليفة عبد الله التعايشي (1850-1898م) بعض الإشكالات، من فتن داخلية ومؤامرة خارجية وفيها الانتقال من الثورة إلى الدولة، هذه المسائل قد تكون أحدثت بعض الإشكالات في داخل الدولة، وهناك أحكام طبقها بعض عماله في الأقاليم، لم تكن بعلم خليفة المهدي ولا رضاه، بل عنفهم بسببها وكان لخليفة المهدي مجلس العلماء، هو مجلس شورى للفصل وإصدار الأحكام في القضايا التي تعرض على الدولة وخليفتها.
* بصورة أخرى، هل كان لهذه الدولة برنامج اقتصادي واجتماعي... إلخ؟ أم كانت تتحرك هكذا حسبما يمليه الواقع؟
ـ لم تمكث الدولة طويلا لتتضح أفكارها الكلية، والحق أنها لم تكن عندها برامج سياسية واقتصادية، كما هو معروف اليوم، ولكن كان عندها رؤى تتعلق بالأرض وملكيتها، والمال ولها أفكار أخرى في مجالات مختلفة... لكنها لم تجد الوقت الكافي.
صحفي سوداني

خطبة الجمعة 20 يونيو بمسجد الهجرة بودنوباوي- الأمير عبد المحمود ابو
الخطب المنبرية
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة : الدولة المدنية والتطرف الثيوقراطي والعلماني

أحمدك اللهم واثني لك الحمد يا جليل الذات ويا عظيم الكرم ، وأشكرك شكر عبد معترف بتقصيره في طاعتك يا ذا الإحسان والنعم ـ والصلاة والسلام على نبيك الذي دلنا إليك وتلقى الوحي منك فبلغه إلينا وعلى آله وأصحابه أجمعين .أما بعد /قال تعالى :  قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين  صدق الله العظيم .أحبابي في الله واخواني في الوطن العزيز :من مقاصد الشريعة الضرورية : حماية العقل من التغييب والتعطيل . لأن من شروط التكليف في الإسلام سلامة العقل . وذهاب العقل قد يكون بتعاطي الخمور والمخدرات ، وقد يكون بسبب التضليل وسيادة الخرافة والدجل والشعوذة ، وقد يكون بالاعتقاد الفاسد والمنحرف . وعالِم الاجتماع الكواكبي قال : " إن الاستبداد يحول ميل الأمة الطبيعي من طلب الترقي إلى طلب التسفل بحيث لو دفعت إلى الرفعة لأبت وتألمت كما يتألم الأجهر من النور " .تداول الناس في الآونة الأخيرة مصطلحات تحتاج إلى ضبط حتى لانتوه في خضم استغلال العاطفة الدينية لدعم مواقف أيديولوجية قاصرة .تلك المصطلحات هي : الدولة الدينية ـ والدولة العلمانية ـ والدولة المدنية . فما هي حقيقة كل مصطلح ومرجعيا ته ومآلا ته ؟. وما هو المفهوم الأقرب لظروفنا استناداً لمعتقداتنا واستجابة لمطالب عصرنا ؟
أولاً / الدولة الدينية : مفهوم السلطة الدينية ؛ ارتبط بالمسيحية .. فعندما تحالفت الكنيسة مع الدولة الرومانية أعطت أوامر الإمبراطور وتصرفاته قدسية دينية لا يجوز الاعتراض عليها أو مخالفتها ومع مرور الزمن تبلور مفهوم الدولة الدينية في ظل المسيحية وتجلت طبيعة تلك الدولة في المظاهر الآتية :ـ
المظهر الأول : إن الحاكم يتولى السلطة بأمر من الله وليس باختيار الشعب ويستمر فيها بإرادة الله ولا يجوز الاعتراض على أحكامه وسياساته وتصرفاته فهو يستمد شرعيته من الله ويحكم بالحق الإلهي وهو نفس المعنى الذي ذكره فرعون  ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد  .
المظهر الثاني : سلطة رجال الدين ـ صحب قيام الدولة الدينية وجود رجال الدين وهم يمثلون المعرفة المطلقة والواسطة بين الله والناس وأحكامهم مقدسة. بل يوزعون صكوك الغفران !. ووقف رجال الدين ضد العلم واستبعدوا وسائل المعرفة العقلية والتجريبية وحاربوا العلماء الذين جاءوا بمعارف تناقض قناعا تهم . واتخذوا الدين وسيلة لأكل أموال الناس بالباطل .. قال تعالى :  إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله ...  .
المظهر الثالث : الاعتراف بدين واحد واستبعاد المعتقدات الأخرى بل في الدين الواحد لا يعترف إلا بمذهب واحد ومحاربة أي اجتهاد مخالف .المظهر الرابع : تبني رجال الدين لمفاهيم تطرد الإنسان طرداً من الاعتقاد ـ مثل : عقيدة التثليث والقول بطبيعة إلهية إنسانية السيد المسيح ؛ وتبرير ظلم الحكام بمفاهيم دينية ؛ وإسقاط دور العقل ؛ واستبشاع الجنس ؛ واعطاء قدسية للسلطة الزمنية .تلك هي خلفيات الدولة الدينية وتلك هي طبيعتها ومظاهرها .. وواضح أنها تتناقض مع المفاهيم الإسلامية حول الدولة شكلاً وموضوعاً ..
فالسلطة في الإسلام ليست دينية وإنما هي من اختيار البشر ، والحاكم شرعيته مستمدة من إرادة الجماهير وأحكامه ومواقفه غير مقدسة بل قابلة للنقض إذا خالفت الشرع .. قال  : (( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق )) .فالدولة الدينية ظاهرة مسيحية لا وجود لها في مفاهيم الإسلام القطعية حول الدولة .
لقد حاول حكام بني أمية وبعض العباسيين إعطاء سلطتهم صبغة دينية وتسموا بألقاب : الحاكم بأمر الله ، والناصر لدين الله .. ولكنها استعمالات لا سند لها ولا مرجعية لها في أحكام الإسلام . قال  : (( من بايع إماما من غير مشورة المسلمين فلا بيعة له ولا للذي بايعه )) .
ثانياً / العلمانية : ظهرت العلمانية كرد فعل لمواقف رجال الدين السالبة من العلم وحرية الضمير ومن العقل والإنسان . فقد توالت ردود الأفعال ببروز مفاهيم العقلانية والناسوتية والمادية . ونظرية فرويد حول الجنس وغيرها من المفاهيم المتطرفة ثم تبلورت كل هذه المواقف في ظاهرة العلمانية ـ وهى بفتح العين نسبة إلى العالم لاالى العلم . كثير من الناس ينطقون ( العِلمانية ) بكسر العين نسبة للعلم وهو لفظ خاطئ فهي منسوبة على غير قياس إلى العالَم الزماني والمكاني وهي أقرب إلى الدهرية التي أشار إليها القرآن في سورة الجاثية  وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ..  . وقد عرفها : هارفي كوكس بالآتي : " إنها إدارة قفا الإنسان من عوالم غيبية ولفت نظره إلى هذا العالم وهذا الزمان ، إنها طرد الغيبيات من الطبيعة وطرد القداسة من السياسة وتحرير القيم من الجمود . وهي حركة تاريخية مستمرة بموجبها يرتقي الإنسان من الطفولة الفكرية إلى النضج ويتحرر من الوصاية ليصبح مسئولاً عن مصيره " . أما قاموس اكسفورد فجاء تعريفه كالآتي : " علماني : معني بأمور هذا العالم دنيوي ليس مقدساً ، ليس كنسياً دهري متشكك في حقائق الدين رافض للتعليم الديني " .
مما سبق يتضح أن للعلمانية جانبان : جانب فلسفي ـ هو إنكار كل ما غاب عن عالم الشهادة الزماني والمكاني . وجانب موضوعي ـ هو عدم إعطاء قدسية للنظام الاجتماعي والسياسي فاختزال العلمانية في مصطلح فصل الدين عن السياسة اختزال مخل ـ الجانب الفلسفي من العلمانية لم يجد قبولاً حتى في أوروبا لأنه يصادم حقائق أتثبتها العلم فالوجود ليس مقتصراً على عالم الشهادة فهنالك عالم الغيب يدركه كل المؤمنين . والإنسان أثبتت التجارب أنه ليس كتلة مادية صماء وإنما هو كائن ذو وعي وإرادة وتتحكم فيه عوامل نفسية وروحية ووجدانية :كأن عدة أرواح تقوم به فليس يهدأ ولا تهدأ رغائبه أما الجانب الموضوعي فلا ينكره إلا مكابر ولكن لا يجوز إسقاط مفاهيم رجال الدين في القرون الوسطى على كل الأديان ـ فالإسلام لا يعترف برجال الدين أصلاً بل نص بوضوح  إن أكرمكم عند الله أتقاكم ..  والإسلام يحترم العقل بل جعله شرطاً في التكليف .. قال  : (( رفع القلم عن ثلاث : عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ )) والإسلام أقر وسائل المعرفة كلها : الروحية والعقلية والتجريبية .
ولا يعرف الإسلام السلطة الدينية لغير الرسل فيما يبلغونه عن الله ولم يحدد الإسلام شكلاً معيناً للحكم بل وضع مبادئ سياسية تتمثل في الشورى والعدل والمساواة والوفاء بالعهد وترك للمسلمين أن يختاروا الشكل الذي يلائم ظروف زمانهم وأحوالهم .
فالرسول  لم يخلف أحداً وأبو بكر خلف عمر وعمر ترك الأمر شورى بين أهل الحل والعقد وبعد مقتل عثمان اجتمع أهل المدينة واختاروا علياً .. فالأمر اجتهادي متروك للمسلمين ليحددوا الكيفية التي يختارون بها حكامهم وفق الظروف التي تلائم تطور مجتمعاتهم ومشروع لهم أن يقتبسوا من تجارب الآخرين .. قال  : (( الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها أخذها )) .
أحبابي في الله واخواني في الوطن العزيز :إن الأسباب والمبررات التي أدت إلى بروز ظاهرة العلمانية في أوروبا إبان سلطة رجال الدين غير موجودة في الإسلام ولكن تصرفات بعض المسلمين المنبهرين بالسلطة الدينية ـ وهم في الغالب أصحاب نزعة تسلطية ـ إن تصرفات هؤلاء تؤدي إلى المطالبة بالعلمانية .
وانبهار العلمانيين بظاهرة العلمانية في أوروبا ودعوتهم إلى تطبيقها في بلداننا يغذي ظاهرة التطرف الديني فكل تطرف يغذي نقيضه .اثنان أهل الأرض ذو عقل بلا دينوصاحب ملة لاعقل لهإن مصطلحي الثيوقراطية والعلمانية ولدا في ظروف تختلف عن ظروفنا وفي ظل مفاهيم دينية تتصادم مع العلم والعقل وديننا يقول :  قل هاتوا برهانكم عن كنتم صادقين  وهما مصطلحان يحملان ظلالاً فلسفية تجاوزتهما عقلية الإنسان المعاصر وأسباب ظهورهما في الغرب غير موجودة في قطعيات الإسلام ولا مبرر لهما في مجتمعات المسلمين ويغذيان الحرب الباردة بين العلمانيين والإسلاميين وبين دعاة الحداثة ودعاة التأصيل إنها حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل .
ثالثاً / الدولة المدنية : إن طبيعة الدولة المدنية تتلخص في وجود دستور يعبر عن قيم ومعتقدات واعراف المواطنين باختلاف انتماءاتهم الدينية والثقافية والعرقية والفصل بين السلطات واكتساب الحقوق على أساس المواطنة وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الدين أو الثقافة أو العرق . وكفالة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية واحترام التعددية ، والتداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات الحرة على الأسس الديمقراطية وأن تستمد السلطة شرعيتها من اختيار الجماهير وتخضع للمحاسبة من قبل نواب الشعب ..الخ .
هذه المفاهيم أقرب إلى المبادئ الإسلامية السياسية ولا تتناقض مع الفكر الإسلامي المستنير حول مفهوم الدولة في الإسلام .. ونوضح ذلك عبر النقاط الآتية :ـ
النقطة الأولى : نصت صحيفة المدينة وهي أول دستور مكتوب في التاريخ الإنساني ـ على حقوق المواطنين المقيمين في يثرب وعلاقتهم بالسلطة القائمة وعلاقتهم مع بعضهم البعض وكان مجتمع المدينة يتكون من ثلاث فئات هم : المسلمون بحزبيهم ( المهاجرين والأنصار ) ، واليهود بطوائفهم الثلاث ، والمشركون من الأعراب بقبائلهم ـ فالصحيفة كانت دستوراً لدولة متعددة الأديان .
النقطة الثانية : قال الخليفة أبو بكر الصديق : " إني وليت عليكم ولست بخيركم فإن رأيتموني على حق فأعينوني ، وإن رأيتموني على باطل فقوموني . أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم .. " .
النقطة الثالثة : الحاكم يختاره الشعب عبر الشورى الفريضة السياسية في الإسلام ويخضع للمحاسبة ، فإن خالف عزل .. قال  : (( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر )) وقال رجل لعمر بن الخطاب " والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناك بسيوفنا " فقال عمر " الحمد لله الذي جعل في أمة محمد من يقوم عمر بسيفه " وقال " لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها " .
النقطة الرابعة : وظيفة الحاكم ـ أن يوفر لشعبه الأمن والقوت والخدمات قال عمر بن الخطاب " ولينا على الناس لنسد لهم جوعتهم ونوفر لهم حرفتهم فإن عجزنا عن ذلك اعتزلناهم " .
النقطة الخامسة : علاقة هذه الدولة بالدول الأخرى ـ قائمة على الاحترام المتبادل والالتزام بالعهود والمواثيق .. قال تعالى :  وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا  وقال تعالى :  ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين  .
النقطة السادسة : توفير العدل والمساواة لكل المواطنين ولا يجوز الانحياز لأحدهم بسبب دينه ـ سرق أحد المسلمين في عهد رسول الله درعا وأراد قومه أن يلحقوا الجريمة بأحد اليهود بحجة أنه لا حرمة له فأنزل الله قرآناً ينصف اليهودي ويدين المسلم ، ويحذر المسلمين من عاقبة الظلم .. قال تعالى :  إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً .. إلى قوله تعالى وكان فضل الله عليك عظيماً  سورة النساء .
النقطة السابعة : كفالة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية .. قال تعالى :  ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا  وقال تعالى :  إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ..  .
إن الدولة المدنية تحقق مقاصد الشرع وتستصحب إيجابيات العلمانية وتلبي تطلعات المجتمع المتعدد الأديان والثقافات والإثنيات علينا أن نسقط من قاموسنا السياسي المصطلحات الفلسفية التي تستفز بعض الناس فالتمسك بالألفاظ ديدن عبدة النصوص والشكليات ولا نستنكف من اتباع الحق مهما كان الوعاء الذي خرج منه .. قال تعالى :  ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ..  . فتعاليم الإسلام جاءت لتحقيق مصلحة الإنسان ورفعة شأنه فالإنسان هو المستخلف في الأرض لعمارتها بالتزام منهج الله فلا يجوز أن تأتي الاحكام مناقضة لفطرته أو مسقطة لإنسانيته أو مقدسة لفئة من بني جلدته من أجل أن تسترق الفئات الأخرى .
والتفاضل بين الناس لا يكون في الدنيا وإنما يكون في الآخرة على حسب الأعمال والإخلاص فعندما قتل حمزة بن عبد المطلب في غزوة أحد ومثل به .. قال  وهو يقف على أشلائه : (( والله لئن ظفرت بهم لأمثلن بثلاثين )) فأنزل الله عليه قرآناً يوضح له فيه أن حمزة ـ وإن كان سيد الشهداء وأسد الله وأسد رسوله ومن السابقين في الإسلام فلا أفضلية له في الدنيا على الآخرين وان الأجساد متساوية والحقوق متساوية بين الناس وان اختلفت أديانهم فإن أراد أن يمثل فليمثل بواحد فقط على أساس  فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ..  قال تعالى لرسوله :  وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين  .
إن أزمة الإسلام تكمن في بعض المنتمين إليه يحورون أحكامه لتلائم نزعاتهم النفسية التسلطية وليرضوا رغباتهم! والصحيح هو أن يخضعوا أهواءهم ويكيفوها لتتلاءم مع منهج الله قال  : (( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به )) ولكن الواقع الآن انهم يقسرون أحكام الدين قسرا لتوافق أهواءهم ـ والأمر الثاني هو أنهم ما فقهوا أساليب الدعوة التي تأمر باللين والتدرج والحكمة .. قال تعالى لرسوله :  فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فضاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ..  فبعض الناس لم يتوفر لهم جمال رسول الله ولا الحب الذي يجده من أصحابه ومع ذلك ينفرون ويغلظون وقديماً قالت العرب : " إياك ومصاحبة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك " . عن أبي ثعلبة الخشني جر ثوم بن ناشز رضي الله عنه عن رسول الله  قال : (( إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدوداً فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها )) رواه الدار قطني . أو كما قال ..
يغفر الله لي ولكم ،،
الخطبة الثانية
الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على سيدنا محمد وآله مع التسليم .وبعد /
قال تعالى :  ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شئ وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما  .
أحبابي في الله واخواني في الوطن العزيز :إن الاعتقاد والإيمان والتدين مفاهيم لا يستغني عنها الإنسان لأنها جزء من فطرته  فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون  .
فالدين ضرورة نفسية واجتماعية وكونية للإنسان ، ولكن الناس يرفضون أن تستغل فئة الدين لتظلم به الآخرين أو لتحقق به مكاسب خاصة على حساب الآخرين فالناس يرفضون الظلم والاحتكار والإدعاء بأن هنالك من هم أحق بفهم الدين من غيرهم فإذا تحقق العدل وتوفرت المساواة وتعامل الناس فيما بينهم بدون تقديس لمواقف وقرارات وتركوا للجميع حق الفهم والاختيار وحرية الضمير وان الناس كلهم أصحاب الحق لا فئة بعينها فإن الاستقرار سيحل والسلام سيعود وإلا فلا .
أحبابي في الله واخواني في الوطن العزيز :جاء في الأنباء أن المبعوث البريطاني بشر بقرب تحقيق السلام ودعا الأطراف المتنازعة للاستعداد لاتخاذ قرارات صعبة .. ويعني هذا أن على الجميع أن يبدوا مرونة وأن يكونوا مستعدين للتنازل ـ أما كان الأجدى أن يأتي هذا الموقف بقناعة ذاتية ورغبة وطنية في حل المشاكل دون ضغوط .. على كل حال من لم يهئ نفسه للتعامل مع المتغيرات الدولية سوف يتحمل نتائج وخيمة " والعاقل من اتعظ بغيره " .
أحبابي في الله واخواني في الوطن العزيز :ذكر أن رئاسة الجمهورية قد تولت موضوع القرية التي دمرت منازلها وتضرر بضعة عشر ألف من المواطنين جراء ذلك وان رئاسة الجمهورية وعدت أن تنصف المظلومين وتعيد الحق لأصحابه وتعوض من تضرر منهم .. إذا صدقت هذه الرواية تكون الحكومة قد صححت خطأ قاتلاً وإن موقفها هذا يجد منا الإشادة والمساندة لأن الأسر التي وجدت نفسها بين عشية وضحاها في العراء تحتاج إلى إنصاف والعدل هو أساس الحكم والاستقرار لا يتم إلا بمسح دموع المستضعفين . وقال الخليفة العادل بن الخطاب " ولا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس ثم راجعت فيه نفسك وهديت لرشدك أن ترجع إلى الحق فإن الحق قديم والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل " ..وجاء في الأنباء أيضا أن قوة من الأمن داهمت منزل الأستاذ غازي سليمان واوقفت عددا من قادة الأحزاب السياسية كانوا مجتمعين هناك لمناقشة إعلان القاهرة ودعمه ومساندته ونقل السياسيون إلى مكاتب الأمن وبعد استجوابهم أطلق سراحهم الغريب في الأمر أن الحكومة تقول إنها لم تتدخل في موضوع إعلان القاهرة وان المواطنين تحركوا بصورة تلقائية للتعبير عن آرائهم ولكنها تمنع أصحاب الرأي الآخر من التعبير عن رأيهم وهم لم يخرجوا في مظاهرة ولم يسيئوا لمخالفيهم أي عدل هذا وأي حياد مالكم كيف تحكمون؟! اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه .. اللهم عجل بشفاء عبدك الأمير الحاج / عبد الرحمن نقد الله .. والطف بعبدك عبد الله محمد خير وخفف عنه آلامه وامنن عليه بشفاء من عندك آمين .وكذلك نسألك اللهم أن تعجل بشفاء البروفيسور محمد إبراهيم أبو سليم .
أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيزفقدت البلادبالامس علما من أعلامها هو البروفيسور عبد الله الطيب لقد كان عبد الله الطيب موسوعيا في معارفه وتربع بجدارة على عمادة الأدب العربي لقد غالب المرض فترة طويلة إلى أن انقضى عمره في هذه الحياة الفانية نسأل الله له الرحمة والمغفرة ولآله الصبر وحسن العزاء كما تنعى هيئة شئون الا نصار فقيدي آل طلب ابن عم الطيب طلب وبنت خالته للجميع الرحمة والمغفرةعباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون .قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله ،،