المجلس الأعلى للشباب في المملكة الأردنية الهاشمية
برعاية كريمة من دولة المهندس نادر الذهبي رئيس الوزراء الأردني الأكرم
المؤتمر الوطني الثاني لتأصيل الفكر التنويري عند الشباب الأردني:
" الشباب والحوار مع الآخر"
من 21-22 آذار (مارس) 2009 ميلادي، الموافق 25-26 ربيع الثاني 1430 هجري
التنوع الثقافي والحضاري ودوره في تأصيل الفكر التنويري وتعزيز ثقافة الحوار مع الآخر
تقديم : الأستاذ: عبد المحمود أبو إبراهيم
الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار - الســودان
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمـة :
المجتمع الإنساني قائم على التعدد والتنوع وتداخل المصالح وتشابكها ، فكل إنسان فيه يحب أن يعامل معاملة طيبة ، تحترم إنسانيته ، وتكفل كرامته ، وتحفظ خصوصيته.. هذه الحقوق تقابلها واجبات بنفس القدر تجاه الآخرين ، والإسلام ربط هذا الأمر بالإيمان قال صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " والاعتراف بالآخر يكفل له حقه في الاختلاف ، وحقه في احترام معتقداته وشعائره وأفكاره ، ويحتفظ له بنسبة من الحقيقة ، فالحقيقة الكاملة لا يملكها إلا الله سبحانه وتعالى وقد وزعها على عباده بنسب متفاوتة ليتكاملوا حتى وهم يتصارعون ، فمن يظن أنه وحده يمتلك الحقيقة سيسقط الآخر من ذهنه ويتمحور حول نفسه ، ويحصر الحق في ذاته ، فالمخالف له : هو كالعدم في مقابل الوجود ، وكالكفر في مقابل الإيمان ، وكالباطل في مقابل الحق .
إن التحاور مع الآخر يقتضي الاعتراف بوجوده ، وهذا الاعتراف مرتبط بحقوق إنسانية في الإطار الإنساني العام ، وحقوق دينية لأهل الأديان ، وحق الاجتهاد للمسلم المخالف ، فالحكمة الإلهية اقتضت وجود الإنسان بكل خصائصه على الأرض مستخلفاً فيها ، وما دام عاقلاً حراً يتمتع بالإرادة والاختيار ، فمن الطبيعي أن يحدث التباين والاختلاف والتنوع في المعتقدات والمفاهيم والأفكار والعادات والأعراف والثقافات، وعندما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وبدأ في تأسيس الدولة الجديدة التي كانت تضم ديانات متعددة وقوميات متنوعة ، وضع دستوراً لهذه الدولة نص على حقوق غير المسلمين وأصل للاعتراف بهم وبخصوصياتهم العقدية والثقافية والقانونية ، والتزم الدستور بحمايتها من أي عدوان : (( .. وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم ، فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته ، وأن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف ، وأن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف ، وأن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف ، وأن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف ، وأن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف ، وأن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف ، إلا من ظلم وأثم ؛ فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته ، وأن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم ، وأن لبني الشطبية مثل ما ليهود بني عوف وأن البر دون الإثم وأن موالى ثعلبة كأنفسهم ، وأن بطانة يهود كأنفسهم .. )) هذا النهج الجديد المتمثل في الاعتراف بالآخر وكفالة حقوقه لم تعرفه جزيرة العرب في ظل هيمنة المفاهيم الجاهلية ، فقد كانت الهيمنة للغالب ، ومنطق القوة هو السائد وعلاقات القبائل قائمة على الحروب ، والمغلوب مضطهد ومسترق ، وحتى أصحاب الديانات لم يسلموا من التعصب ففي داخل الملة الواحدة قامت حروب بين المذاهب . لقد أصل الإسلام لحقوق الآخر وأحل التسامح محل التعصب واعتبر الاختلاف آية من آيات الله الكونية التي توجب الاعتبار: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾[الروم:22] فاختلاف الألسنة يشمل اللغة والثقافة بكل أقسامها واختلاف الألوان لا يقف عند لون البشرة فاختلاف القسمات والهيكل والمقاس والبصمة وغيرها مما يتميزبه كل شخص عن الآخر، وما أبدع اللفتة القرآنية : ﴿ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾[الذاريات:21] هذا التنوع إرادة إلهية ، وضرورة إنسانية ، وواقع كوني ، فمن ميزاته أنه يقدم للمجتمع بدائل وخيارات ليأخذ أفضلها، ومن ميزاته أنه بالمقارنة يبرز أوجه القصور في الأنواع المختلفة لتداركها ، ومن ميزاته أنه يحقق التكامل والتبادل ..
إنني في هذه الورقة أطرق محاور محددة آمل أن تفتح الباب للنقاش وتبادل الآراء لبلورة رؤية متكاملة تحقق المقاصد التي يهدف لها هذا الملتقي ، تلك المحاور هي :
المحور الأول : مكونات العقل المسلم :
المبادئ الإسلامية التي يتشبع بها المسلم وتكون عقليته وتعزز ثقافته تهيؤه للتعامل مع الناس باحترام ، ومن ثم يستطيع أن يتفهم الاختلاف ويتعامل معه كواقع اجتماعي وجبلة إنسانية ، وضرورة حياتية ، والدين الإسلامي يقوم على مبادئ وقواعد وسنن إضافة للعقائد والعبادات والأحكام ، فبمعرفة كل ذلك يدرك الإنسان طبيعة هذا الدين ومنهج تعامله مع المخالفين ، والنقاط التالية إذا فهمت فهماً صحيحاً فإنها ستشكل العقلية الإسلامية التي تستطيع بالحوار أن تتعاطى مع المخالفين فكريـاً ومذهبيـاً وحضاريـاً :
1 ـ معرفة حقيقة الإسلام :
الإسلام ليس ديناً خاصاً بقوم دون غيرهم ، وليس ديناً محصوراً بمكان أو زمان ، وإنما هو الدين الخاتم الذي جاء لكافة الناس عبر الزمان وعبر المكان ، قال تعالى : ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾[الفرقان:1] وأمة الإسلام اختصت بالرسالة الخالدة ، وبالكتاب المعجز ، وبالرسول الخاتم ، وهي خير أمة أخرجت للناس بنص القرآن . هذه الخصائص تفرض عليها إدراك العوامل التي كرمت لأجلها ، لتعلم أنها بالمحافظة عليها تحافظ على التكريم ، وبالتفريط فيها تفقد هذه الميزة ، كذلك فإن على الأمة أن تحقق النموذج الحي لمجتمع الإسلام الذي تسوده القيم والمعاني التي جاءت بها الرسالة الخاتمة ، ومطلوب منها من ناحية أخرى أن توصل هذه الرسالة بالوسائل الملائمة لكل شعب من الشعوب ولكل عصر من العصور . وقد جاء الإسلام بمبادئ وأحكام تخاطب البعد الإنساني الممتد عبر الزمان وعبر المكان ، والقيم الإسلامية استصحبت أصول الرسالات السابقة ، والنافع من العطاء الإنساني ، وصاغت كل ذلك في كلمات تتميز بثبات النص وحركة المحتوى ، وهنا يكمن سر الإعجاز الإلهي في القرآن الكريم فقد جاء بمبادئ وتعاليم فهمها البدوي في صحراء الجزيرة العربية وفهمها الحضري في عصر العولمة دون تناقض قال تعالى : ﴿وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً ﴾ [الإسراء:105-106] وهنالك أحكام جاء بها كل الرسل وأكدها الإسلام وهي ما أطلق عليها البعض الأخلاق الاجتماعية ، وقد وردت إِجمالاً في سورة الأنعام الآيات[151-153] ووردت هذه المعاني أكثر تفصيلاً في سور الإسراء وآخر الفرقان وفي سورة لقمان وسورة فصلت ، كما وردت قيم ومبادئ متفرقة على طول سور القرآن الكريم .
إن الدراسة المتعمقة لنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم تبين الحقائق الآتية :
أولاً : القرآن هو معجزة الرسول الخاتم بخلاف معجزات الرسل السابقين التي كانت كلها خوارق مادية وقتية محصورة في زمانها ؛ وإعجاز القرآن شمل النص وبلاغته والأحكام وصلاحيتها ، والمعارف التي أكدتها التجارب اللاحقة ، والتنبؤات التي صدقها الواقع ، والمفاهيم والمبادئ التي تؤطر لعلاقات إنسانية تتجاوز الحدود العقدية والحواجز الإثنية وعقبات العصبية .
ثانياً : رسالة الإسلام الخاتمة ليست حجراً على قوم دون غيرهم وليست محصورة في زمان بعينه أو مكان مخصوص ، بل جاءت لكل الناس في كل العصور إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، ولذلك فهي تخاطب شعوباً مختلفة ، وبيئات مختلفة ، وقضايا مختلفة ، ومن هنا تأتى عالمية الإسلام ، وتاريخيا حقق الإسلام إعجازا كبيرا ظهر في قدرته على إحداث التحولات الكبيرة في عالم البشر ، فتعاليمه هي التي غيرت الطبيعة البدوية للعرب الذين كان من طبعهم العصبية القبلية وجلافة الأسلـوب ، والافتخار بالأنساب ، والتعالي على الآخرين بصورة عبر عنها أبلغ تعبير عمرو بن كلثوم في معلقته التي جاء فيها :
ألا لايجهلن أحد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
ونعدو حيث لايعدى علينا
ونضرب بالمواسى من يلينا
هذه النزعة غيّرها الإسلام وأحلّ محلها مفاهيم ومعاني جديدة عبّر عنها الشريف الرضي بقوله :
ملكت بحلمي فرصة ما استرقها
من الدهر مفتول الذراعين أغلب
فإن تك سني مـا تطاول باعها
فلي من وراء المجد قلب مدرب
فحسبي أنى في الأعادي مبغض
وأنى إلى غر المعالي محبب
وللحلم أوقات وللجهل مثلهـا
ولكن أيامي إلى الحلم أقرب
يصول علي الجاهلون وأعتلي
ويعجم في القائلون وأعرب
لقد غيرت تعاليم الإسلام العرب وحولتهم من شعب بدوي إلى أمة تحمل الحضارة للإنسانية في عصر الإسلام الأول . والإسلام في نهجه الجديد لم يسقط كل القيم التي كانت سـائدة في المجتمع وإنمـا استصحب النـافع منها قال صلى الله عليه وسلم : (( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )) مما يؤكد أن للآخر قيماً يجوز استصحابها ، فالعرب بالرغم من صفات الجاهلية السابقة التي عرفوا بها إلا أنهم كانوا أهل كرم ونجدة وإباء ، هذه الأخلاق احتفي بها الإسلام وحث عليها ، كما أن فهم التعاليم والمبادئ الإسلامية ليس وقفاً على عصر بعينه ، بل إن رسول الإسلام أمر بالاجتهاد وأقره ، وسيرته العطرة أوضحت أنه كان يخاطب كل إنسان بالأسلوب الذي يفهمه مراعياً اختلاف البيئات والعادات والتقاليد . ولم تنطفئ جذوة الإسلام علي طول تاريخ الدعوة ، فقد حدثت ثورات غيرت مجريات الأمور وكان المحرك الأساسي لها العامل الديني ، فابن تيمية كان مجتهداً ومجاهداً وصلاح الدين الأيوبي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعمر المختار والشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد ، والإمام المهدي في السودان وغيرهم من الرواد الذين نصروا الإسلام وجددوا وسائله لتلائم العصور والبيئات التي عاشوا فيها . واليوم فإننا نشهد صحوة دينية إسلامية في كل أرجاء المعمورة بالرغم من ضعف المسلمين في كثير من عوامل التفوق المادي والتقني والتكنولوجي وهي عناصر التفوق في العصر الحديث ، مما يؤكد أن هذا الدين محفوظ ومنصور وسوف ينتصر مرة أخرى بإذن الله ، قال تعالى : ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء:105].
ثالثاً : تعاليم الاسلام تتمثل في: وضوح العقيدة وتماسك المفاهيم التي لا تتناقض مع العقل السليم، والتدرج والتيسير والتبشير وعدم الإكراه وعدم الإساءة إلى معتقدات الآخرين والحكمة والموعظة الحسنة واللين والرفق بالناس، لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الناس وأنزل لهم الدين الذي ينظم حياتهم وحدد الأسلوب الذي يدعون به، فلا يجوز لأي كائن من كان أن يغير ما أمر الله به . وبين الله في كتابه أن الإساءة لعقائد الآخرين تدفعهم للإساءة لديننا فنهي عن ذلك قال تعالى: ﴿ وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾[الأنعام:108] والمؤسف حقاً أن الإسلام اختطف أخيراً من خوارج العصر فقدموه بأساليب قوامها : التطرف في الأفكار ، والعنف في الأفعال ، والإساءة في الأقوال ، والجهالة في الأحوال ، وقصر النظر في التصرفات ، فجروا على أمتنا وبالاً ودماراً وسخرية من الآخرين ، وعندما تقع كارثة من الكوارث يلقون باللوم على المؤامرات الدولية! والمخططات الصهيونية! والأجندة الأمريكية! مغفلين العوامل الداخلية التي هي السبب الأول لما يحدث لنا ، وبهذه الغفلة أو الاستغفال يظل العامل الداخلي ينتج الأزمات تلو الأزمات دون أن يلتفتوا إليه ويصوبون أعينهم نحو العدو الخارجي ، الذي حدد سلفاً وهو في هذه الحالة الغرب ـ أوروبا وأمريكا ـ فيعلنون الحرب على الدول وشعوبها دون استثناء حتى المستأمنين الذين يدخلون بلداننا بتأشيرة دخول رسمية يكونون هدفاً للقتل الذي يسمونه جهاداً انتحالا لهذه الشعيرة المقدسة من أناس لا تتوفر فيهم أهلية من يعلن الحرب كما أن شروط الجهاد لا تنطبق على الممارسات التي يقومون به ، فحرب هؤلاء حرب معولمة تطال الجاني المتوهم ومن ينتمي لدولته أو شعبه في تعميم لا يتماشى مع المفهوم الإسلامي للجريمة حيث يحصرها في مرتكبها ـ إن ثبت أنه الفاعل ـ ومن حرّضه ومن تواطأ معه وتقتصر العقوبة على الجاني وحده سواء أكان مباشراً أو محرضاً أو متواطئاً ولا تشمل أسرته ولا عشيرته اللهم إلا في دية القتل الخطأ قال تعالى : ﴿ مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾ [الإسراء:15] وعندما أساءت بعض الصحف الغربية إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ثار المسلمون وعبّروا عن غضبهم التلقائي المفهوم ـ الذي يعتبر الحسنة الوحيدة الباقية من مظاهر الوحدة الإسلامية ـ أي وحدة المشاعر ـ لكن الأجدى ـ بعد أن خفت الحدة ـ أن يأخذ علماء الأمة زمام المبادرة ويوصلوا دعوة الإسلام بأسلوب هدفه هداية الآخرين لا هلاكهم ، وإخراجهم من الظلمات إلى النور لا إغراقهم فيها ، وإنقاذهم من حبائل الضلال لا تدميرهم ، وتصحيح صورة الرسول صلى الله عليه وسلم التي شوهها المستشرقون وافتروا عليها ونقلوها للغرب كما يريدون هم وليس على حقيقتها التي أكدتها الوقائع التاريخية المثبتة، إن مخاطبة الشعوب الغربية وتوضيح حقائق الإسلام وتبيان صفات رسول الله لهم واجب شرعي وضرورة عصرية لاستئصال الفهم المغلوط من أذهانهم ليعلم الرأي العام في الغرب حقيقة هذا النبي الخاتم الذي جاء بالرحمة لا بالعذاب ، وللسلم لا للحرب ، ولتعمير الدنيا في سبيل الله لا لتخريبها ودمارها ، قال صلى الله عليه وسلم : ((أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة)) بهذه الرحمة استمال قلوب الناس للإسلام وألف بينهم قال تعالى : ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾[آل عمران:159] وعالم اليوم ضاق حتى صار كالقرية الواحدة وصاحب ذلك متغيرات كثيرة جعلت العالم متداخلاً في كثير من علاقاته ، والمسلمون الذين يعيشون في بلدان غير مسلمة يزداد عددهم بشكل مطرد ، كما يقيم عدد من أصحاب الديانات الأخرى في دول إسلامية كمواطنين لهم كل الحقوق وعليهم كافة الواجبات ، وثورة الاتصالات كمشت الزمان وثورة المواصلات قربت المكان هذه المتغيرات أوجدت واقعا جديدا تشابكت فيه المصالح .. مما يجعل الحوار ضرورة عصرية لفض الاشتباك الذي يحدث بسبب التعدد الديني والتنوع الثقافي في مجتمع مصالحه متشابكة. وباستعراض مسيرة الدعوة نجد أن الحوار هو الأصل وما عداه كان الاستثناء فالرسول صلى الله عليه وسلم بدأ دعوته بحوار مع أهل مكة عندما أمره ربه بإنذار عشيرته الأقربين ، واستمر الحوار طيلة الفترة المكية ، وفي المدينة حيث كان اليهود وهم أهل جدل استمر الحوار وتشعبت دروبه وامتد من عهد رسول الله مروراً بعهد خلفائه الراشدين ولما انتقلت عاصمة المسلمين للشام أولاً والعراق ثانياً احتك المسلمون بقوميات كثيرة فارسية وتركية وكردية وهندية وغيرها ، واطلعوا على الأفكار اليونانية والنحل الفارسية والعقائد الشرقية : الهندية والصينية ، ومن الطبيعى أن يكون الذين دخلوا الإسلام من هذه القوميات قد حملوا معهم أفكارهم فانتشر الجدل والمنطق ، واستعمل عدد من العلماء أدوات الفلسفة والمنطق للدفاع عن العقيدة الإسلامية والرد على الشبهات التي تثار من وقت لآخر ، هذا من شأنه أن يجعل الحوار هو السائد في تلك الفترة ( طلب بعض الملحدين المنكرين لوجود الله تعالى ووحدانيته من الإمام الشافعي رضي الله عنه دليلاً عقلياً يثبت لهم به وجود الله تعالى ووحدانيته ، ففكر الإمام الشافعي برهة ـ وكان يجلس تحت شجرة توت ـ فأتى بورقة منها وقال : أنا أثبت لكم بهذه الورقة وجود الله تعالى ووحدانيته ؛ قالوا له كيف ذلك يا شافعي ؟ قال رضي الله عنه : هذه الورقة طعمها واحد في شجرتها ، ولونها واحد ، وطبعها واحد ، أليس كذلك ؟ قالوا : بلى ! قال : ورغم ذلك تأكلها الدودة : فتخرجها حريراً طرياً ، وتأكلها الظباء والغزلان فتخرجها مسكاً ندياً ، وتأكلها الأبقار والأغنام فتخرجها لبناً صافياً ، وتأكلها النحلة فتخرجها عسلاً شهياً ، فمن الذي جعل هذه الأشياء كذلك مع أن الأصل واحد ؟ فاستحسن الناس كلام الشافعي رضي الله عنه وأعجبوا بذكائه وفطنته وأسلم كثير من الملحدين على يديه ) فوسائل الإدراك إن كانت عاجزة عن إدراك كنه كثير من حقائق الأشياء واكتفت بمظاهرها وهي مخلوقة فهي أعجز عن الإحاطة بالخالق ! ولذلك أمرنا أن نتفكر في مخلوقاته لا في ذاته ، قال صلى الله عليه وسلم : (( يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين )) .
نحن اليوم أحوج من أي وقت مضى إلى أسلوب الحوار في التعامل مع الآخرين, فالظروف التي استجدت في حياتنا جعلت التداخل في علاقات الشعوب في العصر الحاضر تداخلاً غير مسبوق ، والمصالح المشتركة لا سقف لها , وقبل هذا وذاك فإن ديننا يأمرنا بذلك.
المحور الثاني : تأصيل ثقافة الاعتراف بالآخر واستصحاب العطاء الإنساني :
الفضائل قيم إنسانية موجودة في كل المجتمعات البشرية ، وهى محل حفاوة من العقلاء ، وحتى المجتمعات الجاهلية لا تخلو من قيم فاضلة في بعض جوانبها ، ونعرف من دراستنا للتاريخ أن العرب كانوا أهل كرم وشجاعة ونجدة ووفاء وحكمة حتى قبل أن يأتيهم الإسلام ، وبرز منهم حاتم الطائي وعبد الله بن جدعان ، وقس بن ساعدة ، وأمية بن أبي الصلت وزهير بن أبي سلمى ، وآخرون وينسب إلى عنترة قوله :
ما استمت أنثى نفسهـا في موطن
حتى أوفي مهرهـا مولاها
وأغشى فتـاة الحي عند حليلها
وإذا غزا في الحرب لا أغشاها
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي
حتى يوارى جـارتي مأواها
إني امرؤ سمـح الخليقة مـاجد
لا أتبع النفس اللجوج هواهـا
فالمخالف قد يكون ضال العقيدة منحرف الفكر لكنه لا يخلو من صواب في جانب من جوانب حياته ، وكلام عنترة إن قيل دون سند لظن السامع إنه من كلام الصحابة رضي الله عنهم ، وقال ابن القيم : إن الشريعة لا ترد حقاً ، ولا تكذب دليلاً ، ولا تبطل أمارة صحيحة . وقد أمر الله سبحانه بالتثبت والتبين في خبر الفاسق ، ولم يأمر برده جملة . فإن الكافر الفاسق قد يقوم على خبره شواهد الصدق ، فيجب قبوله والعمل به.. وقد استأجر النبي صلى الله عليه وسلم في سفر الهجرة دليلاً مشركاً على دين قومه ، فأمنه ودفع إليه راحلته . وقد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة حلف الفضول الذي أبرمته قريش لنصرة المظلوم وردع الظالم فقد قال صلى الله عليه وسلم : ((لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً لو دعيت به في الإسلام لأجبت ، تحالفوا أن يردوا الفضول على أهلهـا وألا يعد ظالم مظلوماً)) وقد سئل احد الحكماء : الحق مع من ؟ قال : مع كل الناس ، أي أن كل إنسان لا يخلو من معرفة في صورة من صورها ، بل إن الآخر له فضل في إبراز ما ليس عندك ، وربما تكون لديك عيوب لا تراها إلا من خلاله ، فالإنسان عادة لا ينظر إلى الجانب السلبي من حياته ، وإنما يحاول في الغالب إبراز الإيجابيات ، وإخفاء السلبيات , فكأنه ينسى حقيقته البشرية المجبولة على الخير والشر ، ورحم الله ابن الخطـاب الذي قال : ( رحم الله امرءاً أهدى إلي عيوبي ) والحكمة العربية تقول : " وبضدها تتبين الأشياء " . بعض الناس يجردون خصومهم من أية فضيلة ويرمونهم بكل قبيح وهو نهج يرفضه الإسلام قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾[المائدة:8] فالموضوعية في التناول والاعتراف للآخر بالإحسان إذا أحسن ، نهج إسلامي له أثره النفسي لدى الآخر , فهو يجعل الخصم مطمئنا لعدالة خصمه , ومن ثم يسهل التفاوض ويؤتى ثماره .. لقد أقر الإسلام بكل مصادر المعرفة : الروحية والعقلية والتجريبية ؛ ولا تتناقض تعاليمه مع العطاء الإنساني المفيد بل إن عطاء الإنسان جزء من قدر الله ﴿.. إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ.. ﴾[الرعد:11] فالإسلام هو الدين الذي تعترف تعاليمه بقيمة إنسانية للإنسان وإن خالفه في المعتقد ولا شك أن الدين الذي يحترم الإنسان لإنسانيته أولى بالخلود .
من خصائص التعاليم الإسلامية المرونة والاعتدال ومراعاة البيئة التي تطبق فيها.. هذه الخاصية جعلت الإسلام قادراً على التكيف مع القضايا المختلفة مهما تعددت بيئاتها وتنوعت ، ومهما اختلفت أماكنها وأزمانها وتباينت ، والتجربة تؤكد أن العرب والأتراك والفرس والهنود والروم والأفارقة حققوا أعظم عطائهم في ظل الإسلام ، ولم يتحرج المسلمون من الاقتباس من تجارب غيرهم لأن دينهم يرحب باستصحاب النافع من عطاء الإنسانية وإن اختلف معها في المعتقد ، فعندما أشار سلمان الفارسي بحفر الخندق حول المدينة لصد عدوان الأحزاب المتحالفة أمر رسول الله بحفره ولم يرفضه على أساس أنه تجربة فارسية ، والخليفة عمر بن الخطاب أمر بتدوين الدواوين اقتباساً من تجربة الروم ، فعندما كانت هذه المفاهيم هادية في المجتمع الإسلامي تفتقت عقول علماء الإسلام فرفدوا الإنسانية بكل فنون المعرفة : في الطب والكيمياء والصيدلة والفيزياء والفلسفة والفن المعماري والعقائد والأديان المقارنة والجغرافيا والفلك والصناعة وغيرها من العلوم التي بنت عليها الحضارات اللاحقة صرحها . إن مراعاة المقاصد الشرعية تساهم في ترسيخ ثقافة قبول التعدد الديني وللدكتور علي جمعة رؤية في هذا المجال قائمة على تأصيل مقنع يجعل المسلم يتعامل مع الآخر الديني دون حرج بل يبتغي بما يقوم به وجه الله لأنه يقف موقفاً يؤجر عليه ، يقول الدكتور علي جمعة : (.. وترتيبي الخاص للمقاصد ـ وهو : ترتيب مخالف للشاطبي ـ هو : النفس ، العقل ، الدين ، كرامة الإنسان ، المال ..
ومقصدي من هذا : هو قبول التعددية بصفة معينة في المجتمع المسلم .
ومقصدي من هذا : هو تحويل المقاصد إلى نظام عام .
ومقصدي من هذا : هو بعث محاولة التفكير .
والمقاصد الخمسة كلها موصلة إلى بعضها البعض في المستوى الثاني ، وهنالك علاقات بينية بين هذه المقاصد الخمس ، وهو مستوى الظاهرة فقد يسمح بقبول المسيحيين في المجتمع وإدراجهم تحت الحضارة الإسلامية وليس تحت الدين الإسلامي ، فهناك ترتيب يرى أن الدين هو المقصد الأول والدين هنا هو الدين الإسلامي ، وأنا أرى أن الدين ليس فقط الدين الإسلامي ولذلك وضعت الدين في المرتبة الثالثة ، لأن الأولوية هي للحفاظ على الإنسان كإنسان ، ثم الحفاظ على عقله الذي هو مناط التكليف ، ثم أحافظ على دينه ـ أي دين ـ والإسلام هو الخمسة مقاصد وليس فقط أن يكون المقصد الأول ، فوضع الدين كمقصد أول هو خطأ منهاجي ولذلك قدمت النفس والعقل ووضعت الدين في المرتبة الثالثة وأطلقت معنـاه، ثم أطلقت الإسلام ليشمل المقاصد الخمس كلها بحيث نقبل بذلك التعددية والمهم هو الإجتهاد والتفكير ، لأن الأمة قد غفلت لقرون طويلة واعتادت على عدم التفكير ، وعلى عدم قبول أي رأي جديد ، وعلى القلق من أي اجتهاد جديد ، والمطلوب هو التفكير بلا خوف ) .. ويمضى الدكتور علي جمعة مستعرضاً مكونات العقل المسلم فيقول : ( أن العقل المسلم قد ترسخت فيه مجموعة من المبادئ التي يمكن أن نطلق عليها (( المبادئ القرآنية )) والتي يمكن أن نوسعها إذا ما أضفنا السنة إلى القرآن فنطلق عليها المبادئ الإسلامية ، ويؤكد أنه بعد البحث الأكاديمي وجدنا أن في القرآن نحو خمسين مبدءاً ، منها قوله تعالى : ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾[الأنعام:164] ونعني بالمبدأ أنه ليس حكماً شرعياً مثل : ﴿ أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً ﴾[الإسراء:78] فـ﴿ أَقِمِ الصَّلاةَ ﴾ حكم شرعي وإيتاء الزكاة حكم شرعي وصيام رمضان حكم شرعي وهكذا فالحكم الشرعي وصف للفعل البشري والفعل البشري هو موضوع علم الفقه وأوصافه خمسة: ( واجب ـ حرام ـ مندوب ـ مكروه ـ مباح ) نصف بها ؛ أي: فعل يصدر من البشر هذا فقه وهذه أحكام ، وقد اشتمل القرآن واشتملت السنة على أحكام افعل ولا تفعل في مجملها . فالعقل المسلم تكونه المبادئ الإسلامية مثل : ﴿عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف ﴾[المائدة:95] و ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾[البقرة:179] والمقاصد الكلية : وهي الخمسة المذكورة ، والقواعد الكلية مثل : ( لا ضرر ولا ضرار ) وقولهم : ( المشقة تجلب التيسير ) والسنن الإلهية : كسنة التدافع قال تعالى : ﴿ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾[البقرة:251] وسنة التعارف وسنة التكامل وسنة التوازن .
المحور الثالث : التنوع الحضاري وتأصيل ثقافة التنوير :
إن التنوع آية من آيات الله في الكون ، وقد بيّن الإسلام أنّ الفوارق وضعت لتسهيل التعارف وللاعتبار وليست للتصادم والتقاطع ، فالأفكار تتلاقح والمنافع يتبادلها الناس والمعارف تتكامل والأديان تتعايش والحضارات تتواصل ، ونلمح في كثير من أفكار المسلمين وممارساتهم آثار الديانات والنحل التي كانت سائدة في الأمصار التي افتتحها المسلمون فالأثر الروماني في الإدارة والقوانين والمدنية ملحوظ ، وأثر الزرادشتية والمانوية والمزدكية بارز يقول : أحمد أمين ( وإذا كانت هذه الأمم المفتوحة أرقى من العرب مدنية وحضارة وأقوى نظماً اجتماعية كان من الطبيعي أن تسود مدنيتهم وحضارتهم ونظمهم ، وإذا كان العرب هم العنصر القوي الفاتح عدلوا هذه النظم بما يتفق وعقليتهم ، فسادت في البلاد المفتوحة النظم التي كانت متبعة من قبل الفتح ، كنظام الدواوين ونحوه ، وأقر على ما كان عليه ، حتى لغة الدواوين نفسها ظلت باللغة الأصلية إلى عهد عبد الملك بن مروان ) ومرونة الإسلام استصحبت كثيراً من القيم النافعة والمبادئ العامة التي لا تتعارض مع أصول الدين الحق فالرسول صلى الله عليه وسلم جاء متمماً لمكارم الأخلاق ، وكثير من تعاليم زرادشت وجدت طريقها للإسلام إما لأنها لا تتعارض مع مبادئه وإما بسسب تأثر بعض المسلمين بها فظنوها مبادئ إسلامية ، مع ملاحظة أن كثيراً من الذين أسلموا وكانوا يدينون بهذه النحل قد استصحبوا معهم كثيراً من أفكارهم السابقة التي من الصعب أن يتخلصوا منها بين عشية وضحاها فتعاليم زرادشت تقول : (( أن الماء والهواء والنار والتراب عناصر طاهرة يجب ألا تنجس .. وللإنسان حياتان : حياة أولى في الدنيا ، وحياة أخرى بعد الموت ، ونصيبه في حياته الآخرة نتيجة لأعماله في حياته الأولى ، قد أحصيت أعماله في كتاب ، وعدت سيئاته ديوناً عليه ، وفي الأيام الثلاثة الأولى التي تعقب الموت تحلق نفس الإنسان فوق جسده ، وتنعم أو تشقى تبعاً لأعماله ، ومن أجل هذا تقام الشعائر الدينية في هذه الأيام إيناساً للنفس ، وعند الحساب تمر النفس على صراط ممدود على شفير جهنم ، وهو للمؤمن عريض سهل المجاز ، وللكافر أرق من الشعرة ، فمن آمن وعمل صالحاً جاز الصراط بسلام ، ولقي (أهورا) فأحسن لقاءه وأنزله منزلاً كريماً ، وإلا سقط في الجحيم وصار عبداً (لأهرمن) وإن تعادلت سيئاته وحسناته ذهب الروح إلى الأعراف إلى يوم الفصل ؛ وقد غيب على الإنسان في حياته الدنيا ما أعد له بعد موته ، ولم يعلم الخير من الشر فكان من رحمة الله أن أرسل رسولاً يهدى به الناس ، .. ويعلم زرادشت أن يوم القيامة قريب ، وأن نهاية هذه الحياة ليست بعيدة وسيستجمع (مزدا) قوته ويضرب إله الشر ضربة قاضية ، ويعذبه بالجحيم هو ومن أطاعه )) .
وواضح أنها نفس التعاليم التي جاء بها الإسلام اللهم إلا الاختلاف في اسم الله واسم إبليس . وأيام المأتم الثلاثة شائعة عند المسلمين في بلدان كثيرة ، إن تواصل المسلمين مع الآخر أثمر حضارة إسلامية إنسانية استصحبت النافع من عطاء الإنسـان ، وحتى ذلك التواصل الخشن فإن فيه مظاهر إيجابية ، فالحروب الصليبية أتاحت للغربيين الوقوف على تجارب المسلمين وعرفوا منها أن الإسلام لا توجهه سلطة دينية بابوية كذلك نقلوا المعارف اليونانية التي ترجمها المسلمون ونقحوها والمغول بالرغم من تفوقهم العسكري ونزعتهم المتوحشة وانتصاراتهم على المسلمين إلا أنهم ما لبثوا أن اعتنقوا الإسلام وأصبحوا من حماته ..
إن عالمية الإسلام تؤكدها تعاليمه وتصدقها وقائع التاريخ ، واليوم نعيش عالماً جديداً تديره حكومة عالمية ، وتعولمت كل مظاهر نشاطه فتزداد أهمية التواصل بين الإسلام وبين الديانات والحضارات والثقافات المنتشرة في ربوع الدنيا وذلك لاعتبارات كثيرة : فإضافة لموقف الإسلام المبدئي من الدعوة للتعاون بين بني البشر فإن هنالك مصلحة حقيقية للمسلمين في التواصل الإيجابي مع الأديان والحضارات والثقافات ، فالعالم الإسلامي محتاج لنقل التكنولوجيا وتوطينها في بيئته ومحتاج للخبرات العلمية والمعرفية في معظم مجالات النشاط الإنساني ، كما أن هنالك عدد لا يستهان به من المسلمين يقيمون في هذه العوالم الحضارية فإن أحسنا التعامل فيمكن أن يتحول هؤلاء المسلمون إلى سفراء يبرزون الجانب الإيجابي المغيب للمسلمين ، وتجدر الإشارة أن تصدر الحضارة الغربية للريادة حجب الرؤية عن حضارات أخرى لا تقل أهمية عن الحضارة الغربية فهنالك الحضارة الصينية والحضارة اليابانية والهندية والأفريقية وغيرها من الحضارات التي يمكن أن ينفتح عليها المسلمون خاصة وأنها حضارات غير ملغومة بأهداف سياسية حاجبة من الرؤية المستبصرة ، وغير مشدودة لماض صراعي مع الحضارة الإسلامية يعطلها من الانفتاح والتواصل المتبادل ، فالمطلوب تأكيد انحياز الإسلام لمبادئ التواصل والتعايش والتعاون مع الآخر المنصوص عليها في مراجعه الثابتة ، وهذا التأكيد يكون أبلغ بالممارسة وإيجاد الآليات التي تتبناه أكثر من الكلام النظري ، وهو ما يتطلب جهوداً مضنية يقوم بها أهل التخصص في كل المجالات لبلورة هذا المشروع وتنزيله لأرض الواقع .
ذهب الكاتب السعودي زكي الميلاد في اتجاه يؤسس لفكرة تعارف الحضارات الذي نبحث عن تأصيل إسلامي لـه ، واستطاعت مسيرته التي استمرت نحو عشر سنوات في هذا الميدان أن تبلور رؤية حول : ( تعارف الحضارات ) والأهم في خلاصات الرؤية أن مقولة (تعارف الحضارات) لا تعني مجرد الاعتراف بتعدد الحضارات وتنوعها ، وإنما تستند إلى ضرورة بناء وتقدم الحضارات في العالم ، وتأسيس الشراكة الحضارية في ما بينها ، وتبادل المعرفة والخبرة .. والفكرة في الأهم من جوانبها ، تأتي في إطار تجديد واجتهاد إسلامي له طبيعة معرفية من جهة ، وتأكيد لمعنى الانفتاح والتواصل الحضاري الذي عبرت عنه التجربة الحضارية الإسلامية في تعاطيها مع الحضارات الأخرى من جهة ، و قد يكون الأبرز فيما ركز عليه الكتـاب العـرب في موضـوع ( تعارف الحضارات ) قول العراقي رسول محمد رسول : إن تعارف الحضارات ليس مجرد تعبير، إنما هو مشروع حضاري له أسس وتكوين فكري يستند إلى المرجعية الإسلامية . فيما يرى السوري : عبد الواحد العلواني: أنه يمثل أساساً لنظرية يمكن تأطيرها وهي أكثر إنصافاً وعدلاً وفاعلية ووئاماً ، وتتيح سبيلاً نحو فهم أفضل لبناء علاقات سوية بين الأمم والشعوب ، بينما تنظر السعودية سهام القحطاني إلى تعارف الحضارات باعتباره مرحلة أخرى خارج الحوار والصدام في العلاقات القائمة من خلال القـول إن (تعارف الحضارات نظرية إنشائية ) هدفهـا ( إنشاء شكل العلاقات المفترض بين الناس ) وهي ثالث أشكال العلاقات حيث الأولى صدام الحضارات بوصفها نظرية تفسيرية والثانية حوار الحضارات بوصفها نظرية نقدية أو علاجيـة . لقد أجمل الجزائري مراح رؤيته لـ( أهداف تعارف الحضارات ) فقال إنها تتضمن تحقيق التقارب والتسامح وفك عقدة الهيمنة وتجاوز عقيدة الصراع بين المختلفين ، إضافة إلى تعميم معرفة الآخر وتصحيح الصور المسبقة عنه ، وتشجيع فكرة الانتفاع المتبادل بخيرات الأرض ، واحترام الخصوصيات الحضارية لكل طـرف ، وأشـار إلى العوائق فأجملها في أربعة تشمـل ( العائق العقائدي ) و(تضخيم الذات الحضارية ) و( نظريات الصراع والصدام ) و( هيمنة المفهوم السياسي على مجال العلاقات الدولية ) إن هنالك اتجاهاً عاماً ينمو يوماً بعد يوم لتأكيد أهمية التواصل الحضاري وهذا الاتجاه من قبل المسلمين يقابله حماس مماثل من تيارات في الحضارات الأخرى استهجنت فكرة صراع الحضارات, المطلوب التواصل بين هذه التيارات المؤمنة بالعلاقة السلمية بين الطرفين , وتقوية العلاقة بينها والاتفاق على القيام بعمل مشترك يتصدى لتيارات الصدام هنا وهناك وتجفيف منابعها , فبالتقاء هذه التيارات المستنيرة والتواصل معها يمكن إحداث نقلة من العقلية الصدامية إلى مفهوم التواصل والتحاور .
في مؤتمر ميونيخ الأربعين الذي عقد في : 17 فبراير 2004م قدم وزير خارجية ألمانيا _آنذاك_ السيد : يوشكا فيشر مقترحاً دعا فيه إلى توقيع إعلان من اجل مستقبل مشترك يقوم على ثلاثة مبادئ هي :
المبدأ الأول : يعلن الموقعون إيمانهم بالأمن ونبذ العنف ، وبالديمقراطية والتعاون الاقتصادي وبالحد من التسلح ونزع السلاح ونظام الأمن التعاوني ويلتزم كل الموقعين المشاركة في مكافحة الإرهاب معاً ..
المبدأ الثاني : يرى الموقعون في سياسة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الدولة والمجتمع الرد الحاسم على تحديات القرن الحادي والعشرين ويدعمون دمج اقتصاداتهم الوطنية كما يسعون إلى الحكم الرشيد الذي يلتزم حقوق الإنسان والحق والقانون والى مشاركة المواطنات والمواطنين في عملية صنع القرار السياسي والى مجتمع مدني قوي ومستقل ومساواة المرأة ودمجهـا في الحيـاة العامة ..
المبدأ الثالث : يلتزم الموقعون إتاحة فرصة المعرفة والتعليم للجميع من نساء ورجال على قدم المساواة والهدف من ذلك بناء مجتمعات المعرفة في المنطقة . ويتفق هذا الهدف والمهمة الإستراتيجية المحورية التي عرفها تقرير التنمية الإستراتيجية العربية . إن ما يميز المشروع الألماني هو أنه يدعم التطلعات الشعبية في المنطقة بالتعاون مع أهلها ولا يؤيد فرض إصلاحات خارجية ..
المحور الرابع : كيف نرسخ ثقافة الحوار مع الآخر الحضاري والثقافي؟
مع بروز ظاهرة العولمة خرجت أصوات تتنبأ بصدام الحضارات مقروءة مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تلاها من أحداث أدت إلى منطق جديد في العلاقات الدولية ، ولكن العقلاء هنا وهناك قدموا أطروحات بديلة لصدام الحضارات تتمثل في حوار الحضارات، وقدمت أبحاث كثيرة في هذا المجال وعقدت مؤتمرات وكتبت مقالات تفند دعوى صدام الحضارات وترجح الحوار الحضاري ، إن التنظير للحوار مجهود مقدر ولكنه سيصبح ترفاً فكرياً إن لم يجد طريقه للتطبيق ويصبح ثقافة ممارسة في المجتمع .. التجربة الإنسانية على طولها آمنت بديانات منزلة وأخرى وضعية ، وشهدت ممارسات صارت مع طول المدة أعرافاً لصيقة ، وأفرزت هذه الممارسة ثقافات متعددة بتعدد البيئات والعصور ثم أحكمتها التجربة وهذبتها الأديان فتطورت إلى حضارات كاتبة حاسبة صانعة ، وبسنن التقادم تآكلت الحضارات القديمة لتحل محلها حضارات جديدة ، تأخذ من المندثرة ما يلائمها وتضيف إليه جديدها وبهذا تكون الحضارات متكاملة ومتداخلة . ( والحضارات الحية اليوم ثمانية هي : الحضارة الإسلامية ؛ والحضارة الغربية ؛ والحضارة الصينية ؛ والحضارة اليابانية ؛ والحضارة السلافية الأرثوذكسية ؛ والحضارة الأمريكية الجنوبية والحضارية الهندية ؛ والحضارة الأفريقية ، هنالك تشكك لدى بعض الناس حول حقيقة الحضارة الأفريقية ، إن في أفريقيا جنوب الصحراء ثقافات عديدة وقد تناول الأستاذ علي مزروعي تراث أفريقيا فسماه تراثاً ثلاثياً مكوناً من : الإسلام ـ الغرب ـ الموروث الأفريقي ، هذا الموروث الأفريقي فيه مؤثرات مشتركة كوّنت الذهنية الأفريقية ولوّنت تأثر أفريقيا بالمؤثرات الوافدة ، هذه الذهنية الأفريقية انفردت بالتركيز على العلاقة بين البشر والطبيعة ، وبين المادي وغير المادي ، وبين العقلاني والفطري ، وبين الأجيال الحاضرة والماضية .. هذه الذهنية يمكن أن تساعد في حل مشاكل معاصرة كإنقاذ البيئة وتحقيق توزيع عادل للحقوق والواجبات بين الأجيال ) والحضارات التي عاشت في عصر واحد كانت العلاقات بينها غالباً تنافسية وأحياناً كثيرة عدائية ، وكما سلف فإن البشرية بعد تجارب مريرة مع الصراع أفرزت إتجاهاً عاماً ينزع نحو التعايش السلمي والحوار الإيجابي ، وفي عصرنا هذا تجلت هذه الدعوة في أبلغ صورها، فالوعي العالمي بالمصلحة الإنسانية المشتركة يزداد باضطراد ، والتعصب الديني جلب كوارث طالت الجميع حتى المتعصبين منهم ، والعالم صار يوجّه جل موارده للتسلح وآثار الحروب مما يتطلب معه تفكيراً جـاداً للخروج من هذا المـأزق المدمر ، يقول الإمـام الصادق المهدي : ( علينا أن نتناول بحث العلاقات بين الحضارات في هذا العصر على ضوء حقيقتين جديدتين هما :
الحقيقة الأولى : وجود عوامل كثيرة توجب الوفاق العالمي . تلك العوامل هي : تكنولوجيا الاتصالات والمواصلات كفكفت أطراف العالم وجعلته متداخلاً . المصلحة الأيكلوجية لكوكب الأرض توجب إيجاد خطة مشتركة لبيئة صالحة . تقريب وجهات النظر عالمياً وإصدار مواثيق عالمية حول القضايا البيئية ـ النسوية ـ السكانية ـ والاجتماعية . علاوة على إجراء حوارات كثيرة ثنائية وجماعية عبر مؤتمرات جمعت الأديان وهي كلها تهدف إلى التوصل للتسامح والتعايش المشترك .
إن في الإسلام ولدى كثير من المسلمين ، بل غالبية المسلمين توجهاً تسامحياً يحترم كرامة وحقوق الإنسان ويسعى للتعامل مع الآخر الملي والدولي بالحسنى . كما أن في الحضارة الغربية كثيرون يدركون مخاطر الهيمنة ويدركون أن مصلحتهم ومصلحة الإنسانية توجب التعايش من أجل مصير إنساني مشترك .
الحقيقة الثانية : لأول مرة في التاريخ صار الإنسان يمتلك أسلحة دمار شامل قادر على تحطيم العالم بحيث لن يكون في نهاية النزاع غالب ومغلوب كالمعهود في الحروب الماضية . لذلك صار التعايش والتوافق والحوار بين الحضارات اليوم واجباً حياتياً ) .
إن الحوار يعتبر وسيلة من وسائل التواصل بين البشر ، وهو كغيره من وسائل التفاعل في المجتمع يحتاج إلى شروط خاصة لكي يكون صفة غالبة في العلاقات البينية الاجتماعية ، فالعنف والغضب والسيطرة والتصادم ومثيلاتها نزعات سهلة الحضور في علاقات الناس ، ولا تحتاج إلا للمثيرات كالاستفزاز والإساءة والتحـدي وقد نهى الإسلام عن ذلك ، عن أبى هريرة رضي الله عنه قال : بينما يهودي يعرض سلعته أعطى بها شيئاً كرهه فقال : لا ؛ والذي اصطفي موسى على البشر ، فسمعه رجل من الأنصار فلطم وجهه وقال : تقول والذي اصطفى موسى على البشر والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ؟ فذهب إليه فقال : أبا القاسم إن لي ذمة وعهداً ، فما بال فلان لطم وجهي ؟ فقال : ((لم لطمت وجهه ؟)) فذكره ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى رؤي في وجهه ، ثم قال : (( لا تفضلوا بين أنبياء الله ، فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث ، فإذا موسى آخذ بالعرش فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور أم بعث قبلي ) فالرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يوضح أن التفاضل بين أنبياء الله لا يجوز خاصة في وجود أتباع ديانات متعددة لأن ذلك يدعو لإثارة العصبية وحمية الجاهلية التي تؤدي إلى التباغض والتنازع والاحتراب ، أما الحوار فيحتاج إلى الهدوء وتحكيم العقل وعدم التسرع .. الخ .
ولكي تترسخ ثقافة الحوار في المجتمع فإن هنالك وسائل بتكاملها في المجتمع الإنساني سيضعف الميل نحو العنف ويحل محله التسامح وبالتالي سيكون الحوار ركيزة من ركائز الثقافة الاجتماعية تلك الوسائل هي :
أولاً : التربية :
الإنسان ابن بيئته أي أنه يتأثر بالمحيط الذي يعيش فيه سلباً كان أو إيجاباً ، فالبداوة تنعكس على سلوك أصحابها فتجد البدوي (عصبي المزاج ، سـريع الغضـب ، يهيج للشئ التافه ، ثم لا يقف في هياجه عند حد ، وهو أشد هياجاً إذا جرحت كرامته ، أو انتهكت حرمة قبيلته ، وإذا اهتاج أسرع إلى السيـف واحتكـم إليه ) وعكس ذلك تماماً البيئة الحضرية فإنها تجعل الإنسان أميل إلى التسامح والتجاوز والتريث وتقدير العواقب قبل الإقدام على الفعل ، فالبيئة إذن تعتبر أحد عوامل تكوين الشخصية البشرية بل أهمها ، وما يتعلمه الإنسان ويتربى عليه في مرحلة تكوين شخصيته سيصحبه طيلة فترة حياته ، ولعل هذا هو السبب الذي جعل الأنبياء والمرسلين والمصلحين يولون اهتماما كبيراً للتربية إعداداً لحملة الرسالة والفكـرة ، والملاحظة تتجلى في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه : إذ كان يعدهم لحمل الرسالة للعالمين ، فحرص على إزالة ما تراكم في أذهانهم من آثار الجاهلية أولاً ثم غرس المعاني والقيم والمفاهيم التي جاء بها الإسلام ، وأكدت تعاليمه أثر التربية على حياة الإنسان ؛ وأن كل مولود يولد على الفطرة الصافية النقية ؛ والتغيير يحدث تبعاً للأسلوب الذي يتبعه الوالدان في تربية الأبناء ؛ وكانت وسائل التربية التي اعتمد عليها الرسول صلى الله عليه وسلم تتمثل في القدوة والتعليم والتجربة والمقارنة .. فمن طبع الإنسان أن يرد على العنف بمثله وربما بصورة أقسـى ، ولكن الإسلام عمل جاهداً على تغيير هذه الطبيعة في المسلم فدعا إلى العفو والإيثار والإحسان ، روى البخاري عن خباب أنه قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة ـ قلنا له : ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا قال : (( كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين ، وما يصده ذلك عن دينه ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب ، وما يصده ذلك عن دينه ، والله ليتمنّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون )) فهو هنا يروض النفس على الصبر وتحمل الأذى والتحرر من نزعة الانتقام للنفس ، فالرسالة ستنتصر حسب سنن الله في خلقه ، لا حسب أماني الناس ، والتضحيات مهر الانتصار ، فنبي الرحمة لم يكن يوماً ميالاً للانتقام ، وحتى في أحلك الظروف التي يتعرض فيها للأذى والظلم حيث تكون النفس مشحونة بالغضب فإن الرحمة تتغلب على الانتقام .
لقد رسخّت التربية الإسلامية ثقافة الحوار في المجتمع الإسلامي عبر الشورى والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحرية الرأي ؛ هذه البيئة الإسلامية رسخت ثقافة التعبير عن الرأي وبالتالي جعلت الحوار ثقافة مجتمعية راسخة ، طابعها التلقائية والبداهة . ولما أفضت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز أتته الوفود ، فإذا فيهم وفد الحجاز، فنظر إلى صبي صغير السن وقد أراد أن يتكلم فقال : ليتكلم من هو أسن منك ، فإنه أحق بالكلام منك ، فقال الصبي : يا أمير المؤمنين ، لو كان القول كما قلت لكان في مجلسك هذا من هو أحق به منك ! قال : صدقت ، فتكلم فقال : يا أمير المؤمنين ، إنا قدمنا عليك من بلد نحمد الله الذي من علينا بك ، ما قدمنا عليك رغبة منا ولا رهبة منك ، أما عدم الرغبة ، فقد أمنا بك في منازلنا ، وأما عدم الرهبة ، فقد أمنا جورك بعدلك ، فنحن وفد الشكر والسـلام . فقال له عمر رضي الله عنه : عظني يا غلام ؛ فقال : يا أمير المؤمنين إن أناساً غرهم حلم الله وثناء الناس عليهم ، فلا تكن ممن يغره حلم الله وثناء الناس عليه ، فتزل قدمك وتكون من الذين قال الله فيهم : ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ ﴾[الأنفال:21] فنظر عمر في سن الغلام فإذا له اثنتا عشرة سنة ، فأنشدهم عمر رضي الله عنه :
تعلم فليس المرء يولد عالماً وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده صغير إذا التفت إليه المحافل
فمجتمع الإسلام الذى تحكمه الخلافة الراشدة لا يعرف النفاق ولا التملق فهما محاصران بوعي الجمهور وحكمة الخلفاء الذين يستجيبون للنصح ويمتثلون للحق مهما كان مصدره ، فمثل هذه البيئة تحتفي بالنبوغ وتحترم أهل العلم والفضل ، وتسود فيها ثقافة الحوار، لأن التربية تهدف لترسيخ القيم التي جاء بها الإسلام ، والمجتمع بكل فئاته يراعي هذه القيم ويتشربها ثقافة وسلوكاً .
قحطت البادية في أيام " هشام بن عبد الملك " فقدمت عليه العرب فهابوا أن يتكلموا وكان فيهم " درواس بن حبيب " وهو [صبي] فوقعت عليه عين هشام ، فقـال لحاجبه : ( ما يشاء أحد أن يدخل علي إلا دخل حتى الصبيان ؟! فوثب درواس حتى وقف بين يديه مطرقاً فقال : يا أمير المؤمنين إن للكلام نشراً وطياً ، وإنه لا يعرف ما في طيه إلا بنشره ، فإن أذن لي أمير المؤمنين أن أنشره نشرته ، فأعجبه كلامه وقال له : أنشره لله درك ، فقال يا أمير المؤمنين : إنه أصابتنا سنون ثلاث : سنة أذابت الشحم وسنة أكلت اللحم ؛ وسنة دقت العظم ؛ وفي أيديكم فضول مال ؛ فإن كانت لله ففرقوها على عباده ؛ وإن كانت لهم فعلام تحبسونها عنهم ؟ وإن كانت لكم فتصدقوا بها عليهم ؛ فإن الله يجزي المتصدقين ، فقال هشام : ما ترك الغلام لنا في واحدة من الثلاث عذراً ، فأمر للبوادي بمائة ألف دينار ؛ وله بمائة ألف درهم ثم قال له: ألك حاجة ؟ قال : ما لي حاجة في خاصة نفسي دون عامة المسلمين ، فخرج من عنده وهو من أجل القوم ) . فالعهد الأموي ـ على علاته ـ كان لا يخلو من إشراقات ومن بينها حلم الخلفاء واعتزازهم بعروبتهم وتجاوبهم مع رعيتهم في ساعات الصفاء والرضا.
هنالك عامل مساعد في انتهاج التربية المراعية لترسيخ ثقافة الحوار والتسامح يتمثل في المجتمع القائم على التعدد ، فكل ما كان المجتمع متعدد الأديان ومتنوع الثقافات ومتباين الأفكار مع قبوله لهذه المكونات سهلت التربية المؤسسة لثقافة الحوار ، لأن الناشئ يعيش الواقع عملياً ، إضافة للتربية النظرية ، ووعي المجتمع بطبيعة التعدد يرسخ ثقافة الحوار ، خاصة وأنه من الطبيعي أن تحدث تساؤلات بين الأطفال والشباب المتعددي الانتماءات عن الممارسات التي يقوم بها نظراؤهم والمواقف التي تحدث من حين لآخر فإن أجيبوا إجابة واعية تشرح الاختلاف والتباين وتوضح الطرق المثلى للتعامل مع هذا الاختلاف فسوف توضع لبنة في بناء العقلية المعتدلة القابلة للتسامح وقبول الآخر وبالتالي تترسخ ثقافة الحوار في المجتمع ، وأما المجتمعات أحادية الثقافة أحادية الدين أحادية العرق فيصعب عليها قبول الآخر أو تفهمه لأنها عاشت نمطاً واحداً من الحياة لم تعرف فيه الغيرية ، ولهذا فإن أكثر المتطرفين ينحدرون من مجتمعات أحادية التوجه أو تعددية تسودها العصبية
ثانياً : معرفة الذات ومعرفة الآخر :
الإنسان عدو ما جهل ، وقلة المعرفة تجعل المرء متعصباً سريع الانفعال ، والمعرفة لا تتعلق بالآخر وحده ، بل معرفة الذات أولاً ثم تتكامل بمعرفة الآخر ، لقد وقعت كوارث كثيرة بسبب سوء تقدير الموقف ـ تضخيم الذات والاستخفاف بالآخر ـ فانتصار المسلمين في بدر كان معجزة ولكن كثيراً منهم اعتبروه قانوناً عاماً فلم يقدروا الموقف تقديراً صحيحاً فهزموا أول الأمر في أحد ، وفي حنين غرتهم كثرتهم فكان الغرور سبباً للهزيمة : ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾[التوبة:25] وكثير من الحوادث التاريخية والمعاصرة أقدم عليها أصحابها دون معرفة لقدراتهم ولا لقدرات خصومهم فجنوا عاقبة فعلهم خسراً ، والشواهد أكثر من أن تحصى لعل أبرزها حرب الخليج الثانية ، وما أقدم عليه مرتكبوا حوادث الحادي عشر من سبتمبر ضد الولايات المتحدة الأمريكية .. إن ما يعنينا هنا البعد الفكري والجانب النظري ، فمعرفة الإسلام بعمق تظهر للمرء الجذور الممتدة لهذا الدين والتي تربط بينه وبين الرسالات الإلهية التي سبقته ، والصلات الإنسانية بينه وبين بني البشر أين ما وجدوا ، مما يؤكد أصالة هذا الدين من ناحية وعالميته من الناحية الأخرى ، والأصالة هنا أعني بها استيعابه لأصول الرسالات السماوية وتكامله معهـا ، هذا الفهم يسهل على المرء إمكانية التواصل مع الآخر الديني والتحاور معه لأنه يعلم أن كل ديانة سماوية صحيحة لديها صلة بالإسلام ، وكل نحلة وضعية خيرة فيها إشراقة إيجابية ، وكل عطاء إنساني مفيد يدخل ضمن المعروف الذي هو أحد أركان الأخلاق المتفق عليها من جل علماء العلوم الإنسانية ، فالأخلاق الاجتماعية اتفقت عليها جميع الأديان السماوية ، ورحبت بها كثير من الفلسفات البشرية وهي مفصلة في سورة الإسراء ، ومفهوم البر في الإسلام ليس قاصراً على المسلمين بل يمتد ليشمل جميع بني البشر : ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾[البقرة:177] فإذا علم المرء ذلك كان مهيئاً للتواصل مع كل البشر عبر الحوار وليس عبر العنف الذي هو وسيلة العاجزين عن الحجة ، ومعرفة الآخر تشكل عاملاً مهماً في ترسيخ ثقافة التعايش السلمي والتواصل الإيجابي ، فربما تكون الأهداف متقاربة والمعاني متشابهة ولكن غيّبها الجهل أو اختلاف الصيغ ، فسهيل ابن عمرو عندما رفض تصدير وثيقة صلح الحديبية بعبارة (( بسم الله الرحمن الرحيم )) مفضلاً صيغة (( باسمك الله )) لم يتردد الرسول صلى الله عليه وسلم في قبولها لأن المعنى متقارب إن لم يكن واحداً ، مع أن صيغة البسملة تشتمل على معنى الصيغة المقترحة مع زيادة الثناء على الله بما هو أهله لكن أهل مكة كانوا يستغربون من اسم الرحمن كما ذكر القـرآن : ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ﴾[الفرقان:60] والصيغة الجديدة التي يفتتح بها المسيحيون الأقباط حديثهم تسقط مفهوم التثليث وتقربهم من المسلمين ، حيث يقولون: (( باسم الإله الواحد الذي نعبده جميعاً )) وهي صيغة من ابتكارات [الأنبا شنودة] الحالي كما ذكر الدكتور محمد سليم العوا ، في محاضرة قدمها في ملتقى الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي الذي انعقد في القاهرة في الفترة من 30 ـ 31 أبريل 2006م ، ومن أهم طرق معرفة الآخر أن يتم التعرف عليه من مصادره ولا نكتفي بما نعلمه عنه من مصادرنا وحدها ، كما ينبغي وصفه على حقيقته لا كما نتمنى ، وأن يتم التعامل معه حسب تعريفه لنفسه لا كما نعرفه نحن ، فأهل الكتاب اليوم ليسوا مثل أسلافهـم ، فقد أحدثوا تغييرات كبيرة في عقائدهم وأفكارهم وتنظيماتهم ، وإذا استثنينا الصهيونية اليهودية والمسيحية المتصهينة فإن أغلبهم يميلون إلى التسامح وإلى إقامة علاقات ودية مع المسلمين ، وكثير منهم لا يؤيدون دولهم في سياساتهم تجاه العالم الإسلامي والمظاهرات التي قامت في الغرب ضد الغزو الأمريكي للعراق كانت أكثر من التي قامت في العالم الإسلامي ، أيضاً من التحولات التي حدثت أن النصارى يفضلون أن يسموا مسيحيين لا نصارى ، وقد جمعتني ملتقيات كثيرة خاصة بالحوار الديني مع مسيحيين فأدركت أننا لا نفهم بعضنا بعضاً كما ينبغي ، فنحن نتعامل معهم على أساس ما نعرفه عنهم من كتبنا بينما حدثت تطورات كثيرة في أفكارهم ومعتقداتهم ، وحتى أولئك الذين يقيمون معنا من مسيحيي جنوب السودان فإن سوء التفاهم بيننا كان سبباً في تعقيد الأزمة وتوسيع الشقة ، وتواصلاً لمعرفة الآخر فإن كثيراً من المواقف التي تتخذ من المسلمين والغربيين تجاه بعضهم بعضاً ، سببها الجهل المتبادل والمعلومات الخاطئة التي هي عبارة عن انطباعات أكثر منها معلومات واقعية، فكثيراً ما نسمع تصريحات بعض المسلمين تصف الغرب بأنه على حافة الانهيار ، وأنه يعيش حالة من الفوضى ، وفي نقدهم للسياسات الغربية يوجهون نقدهم للأشخاص لا للمؤسسات ، وعندما قدم الرئيس الأمريكي الأسبق [بيل كلنتون] للمحاسبة ظنّ كثير منا أنه سينهار مع أنه حوسب على إخفائه للمعلومة الصحيحة لا على الفعل نفسه ، وهكذا فإسقاط واقعنا على الآخرين هو الذي يوقعنا في أخطاء منهجية نتيجتها أخطاء إستراتيجية قال تعالى : ﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾[الإسراء:36] ومما يجدر الانتباه إليه أن الحضارة الغربية الحديثة ليست صناعة غربية خالصة وإنما هي نتاج تراكم معرفي وتجارب إنسانية كان للحضارة الإسلامية فضل كبير فيها ، فإذا بحثنا نجد أن كثيراً من القواعد القانونية والمفاهيم الفكرية لها جذور إسلامية ، فهي ليست غربية في الأصل وإنما بضاعتنا ردت إلينا ، والغربيون أيضاً لدى كثير منهم جهل بالإسلام وبالشعوب الإسلامية فيحكمون عليهما بمنظار الاستعمار والإستشراق غير المنصف أو من خلال ممارسات بعض المتطرفين الذين اختطفوا الشعار الإسلامي وشوهوه ، واتصالاً بمعرفة الذات ومعرفة الآخر هنالك أهمية لمعرفة الواقع ، فالجهل بالواقع يوقع أيضاً في أخطاء منهجية وسلوكية ، ويلاحظ ذلك في تعامل بعض المسلمين مع الآخر حتى الآن بوسائل العصر الأموي والعصر العباسي حيث كانت الإمبراطـورية الإسلاميـة ـ إذا جاز التعبير ـ يمتد سلطانها من السند إلى المغرب ومن سمرقند إلى السودان ، حيث كان الرشيد يقول للسحابة : أمطري حيث شئت فسيحمل إلينا خراجك ، في تلك الفترة أسست الدولة الإسلامية على أنقاض الإمبراطورية البيزنطية والفارسية ، والآخر بادر بالعدوان ولذلك عومل بموجب السياسة الشرعية بالأسلوب الذي يتلاءم مع تلك المرحلة .. أما الآن فنحن نعيش واقعاً مغايراً فعلى مستوى الذات تفككت الخلافة الإسلامية إلى أقطار صغيرة تحكمها دساتير وطنية جعلت المواطنة أساساً للحقوق والواجبات ، والقيادة الإسلامية الموحدة غابت عن عالم المسلمين وحل محلها حكام الدول وأمراء الجماعـات الدينية ، والمرجعية الفقهية ليست واحدة فكل دولة وكل جماعة ـ وإن أعلنت أن الكتاب والسنة مرجعيتها ـ إلا أنها تتبع مذهباً ومنهجاً خاصاً بها ولا توجد جهة تملك فرض سلطة دينية على الجميع، ومعظم الأحكام السائدة في الأقطار الإسلامية هي من اجتهادات السلف من أئمة المذاهب ، وعلى المستوى الدولي فإن تقسيم العالم الذي كان سائداً ـ دولة الإسلام ودولة الكفر الحربية ، والمعاهدة ـ قد اختفى وحل محله نظام جديد تديره الأمم المتحدة بمواثيقها الدولية ومنظماتها المنبثقة عنها إضافة إلى المنظمات الإقليمية التي تضم الدول التي تقع في الإقليم المعني كمنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية والإتحاد الأوروبي والإتحاد الإفريقي وغير ذلك . والأمم المتحدة تضم دولاً تنتمي لجميع الديانات على وجه الأرض وهي جميعها ملتزمة بمواثيق الأمم المتحدة الداعية لحفظ الأمن والسلم الدوليين ، وأي دولة تخرق هذه المواثيق ستفرض عليها عقوبات دولية تلتزم الدول بتنفيذها دون أي اعتبار للعقيدة التي يدين بها أهل البلد المعني كما فعلت الدول الإسلامية مع عراق صدام ومع أفغانستان طالبان حيث التزمت بقرارات الأمم المتحدة ولم تخالفها بحجة أنها صادرة من جهة كافرة ضد دولة مسلمة ! أيضاً من مستجدات العلاقات الدولية أن بلداناً إسلامية كثيرة تضم ديانات متعددة مسلمة وغير مسلمة ومواطنوا تلك الدول هم أصحاب حق في بلدانهم دون اعتبار لعقائدهم ، ولا يحق لأي مسلم ليس مواطناً في البلدان المعنية أن يتدخل في شئونها بحجة الـولاء الإسلامـي ، والأمر اللافت للنظر أن كثيراً من المسلمين هاجروا إلى بلدان غربية مسيحية ونالوا جنسياتها وأصبحوا ملتزمين بدساتيرها وانخرطوا في قواتها المسلحة وينفذون أوامر قيادة دولتهم الجديدة في شن الحرب على أي دولة تصنف من أعدائها وربما تكون الدولة المعادية هي الدولة الإسلامية التي هاجر منها الجندي ! ومن مستجدات العلاقات الدولية أن السيادة الوطنية لا معنى لها في ظل انتهاك حقوق الإنسان المنصوص عليها في المواثيق الدولية ، هذه المستجدات لا بد من إدراكها والوعي بها ، لنتبين طبيعة الواقع الذي نعيشه في عصرنا هذا ..
إن المعرفة الواعية بالذات وبالآخر وبالواقع الدولي سوف تجعل الحوار خياراً إرادياً للعقلاء وخياراً جبرياً للحمقى !.
ثالثاً : الإعلام الهـادف :
الإعلام له تأثير كبير على الرأي العام ، فهو يشكل ثقافته ويعبؤه للتفاعل مع الأحداث سلباً أو إيجاباً ، وينسب إلى ماركس قوله : ( أعطني إعلاماً أعطيك أمة ) وقد أطلق على الصحيفة وصف " السلطة الرابعة " أي: بعد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وأتصور أن الوصف ينطبق على الإعلام بكل أدواته وليس حصراً على الصحف ، وعالم اليوم تعددت فيه وسائط الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية بصورة لم يسبق لها مثيل ، وأضحت المعلومات متاحة لكل راغب بأيسر السبل ، ولا شك أن المعلومة واحدة من العناصر التي يعتمد عليها الإنسان في اتخاذ قراراته ومواقفه ، لأنك بالمعلومة تعرف قدراتك وقدرات الآخرين وتحدد أهدافك حسب طاقتك متفاعلاً مع معطيات الواقع ، فالإعلام إذاً وسيلة من وسائل نشر الثقافة وترسيخها ، بل وسيلة تتجلى أهميتها في هذا العصر، ويؤكد ذلك كثرة وسائط الإعلام والقدرات الهائلة لوكالات الأنباء العالمية المسيطرة على قدر كبير من المعلومات . إن الإعلام هو أيقونة العصر المعلوماتية فإذا استخدم استخداما هادفاً سيساهم في ترسيخ ثقافة الحوار ، وذلك عن طريق نشر مواضيع تدعو للتسامح وتبين حتمية الاختلاف وضرورته وكيفية التعامل معه ، وأن تتجنب وسائط الإعلام المواضيع التي من شأنها أن تثير الفتنة وتدعو للتعصب وتنشر الكراهية، والمؤثرات في هذا العصر أصبحت متعددة ، فإضافة إلى وسائل الأخبار التقليدية نجد هنالك المسرح والسينما والأفلام التلفزيونية المؤثرة والإنترنت، فإذا اتبع الإعلام نهجاً تسامحياً فإنه سيوجه الرأي العام في اتجاه قبول الآخر والتعايش السلمي معه واتخاذ الحوار وسيلة لفض النزاعات ، ويلاحظ أن بعض الحوارات التي تجرى عبر القنوات الفضائية ومواقع الشبكات هي في الواقع تعمق الأزمة ولا تزيلها لأنها لا تلتزم بآداب الحوار ولا بشروطه ، وهدف المتحاورين في الغالب هو الانتصار للذات وليس بحثاً عن الحقيقة ، على الرغم من وجود بعض القنوات الجادة والحوارات الهادفة إلا أن الأخيرة محدودة إذا قورنت بسابقاتها .
رابعاً : تبادل الزيارات :
التعرف على الآخر لا يتم بالقراءة عنه وحدها ، وإنما تتعمق المعرفة بالمعايشة والتواصل ، لأن الواقع الملموس أبلغ من التنظير ، إن كثيراً من الناس يتخذون مواقفهم بناء على معلومات ناقصة فيظلمون ويظلمون ، وربما يدلون بشهادتهم مستندين إلى تلك المعلومات التي تمثل جزء من الحقيقة ، فأجهزة الإعلام مثلا تنقل المعلومة من الزاوية المتاحة لكاميرا المصور أو قلم المشاهد ولكن تظل هنالك زوايا أخرى ، لم يتمكن الناقل من الوصول إليها. فالمعرفة تقتضي الاحتكاك بالآخر للتعرف عليه عن قرب وللإلمام بكل مكوناته الثقافية ، والاجتماعية ، والبيئية ، عليه فإن من وسائل ترسيخ ثقافة الحوار تبادل الزيارات والدخول في المجتمع المعني لمعرفة القواعد التي يقوم عليها ، والنظم التي يدير بها أموره ، ولعلّ النص القرآني يهدف إلى ذلك في قوله تعالى : ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[سورة العنكبوت:20] فالمعرفة الناقصة تبين جانباً محـدوداً من الحقيقة ، وكثير من الذين زاروا المجتمعات الغربية دهشوا مما رأوا كما شرح ذلك الشيخ [محمد عبده] عندما زار أوروبا ، فالواقع مغايراً للصورة الموجودة في الأذهان ، لأن عدسة المصور وقلم الصحفي ورواية الراوي تنتزع الجوانب التي تشكل اهتماماً لدى كل واحد منهم ، وبعض الذين يعممون أحكامهم على الغربيين لم يدركوا أن المجتمعات الغربية مجتمعات مفتوحة ، وحرية التعبير فيها مكفولة ، والتنظيم مسموح به لأي جماعة ، وكل الحريات المنصوص عليها في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان ملزمة للدول ، وتوجد منظمات محلية تراقبها وتتأكد من أن الالتزام بها واقع وليس تنظيراً ، وحرية الإنسان لا تنتهي إلا حيث تبدأ حرية الآخرين ، ومواقف الحكومات لا تعبر إلا عن السلطة الرسمية في الغالب وهي قابلة للتغيير عبر وسائل الضغط الكثيرة ، كذلك توجد تيارات كثيرة تتطلع لتعايش سلمي مع الحضارات الأخرى وانفتاح على ثقافات الآخرين ، إن التواصل مع هذه التيارات يفتح الباب لعلاقات تسامحيه ولحوارات هادفة ، ترفد العلاقات الإنسانية بمفاهيم تنظر بإيجابية للتعدد الحضاري والتنوع الثقافي .
خامساً : الأنشطة المشتركة :
هنالك مجالات متعددة تتيح العمل المشترك بين بني البشر ، دون أن تشكل عقائدهم وثقافاتهم وإثنياتهم عائقاً يحول بينهم وبينها ، كالمعارف الإنسانية ، والأنشطة الاقتصادية ، والمعونات الإنسانية لضحايا الحروب والكوارث الطبيعية وغيرها ، إن تنفيذ برامج مشتركة يقوم بها المنتمون لديانات متعددة وثقافات متباينة وحضارات متنوعة من شأنه أن يعطي نموذجاً عملياً للتعايش المشترك ، بل للتعاون المشترك في البر والخير ، ولا توجد حساسية في هذا العصر من قيام أنشطة وبرامج مشتركة ، فقد كسرت حواجز كثيرة ، وتم تخطي عقبات كبيرة ، وهنالك أكثر من منبر يجمع أشخاصاً ينتمون إلى ديانات متعددة والأمم المتحدة ومنظماتها الفرعية خير نموذج لذلك ، كذلك عقدت ملتقيات كثيرة للحوار في مجالات كثيرة وتكونت ثقافة نظرية لا حدود لها حول هذا الموضوع ، والمطلوب أن تخطو البشرية خطوات عملية لاختبار هذه الثقافة التراكمية ، إن أكثر المجالات إلحاحاً لهذه الأنشطة المشتركة المجال الديني والمجال الحضاري فالتعصب الديني من أخطر عوامل النزاعات البشرية ، والفوارق الحضارية تشجع العنف ، ولعل بعض الجهات قد سعت لتحقيق ذلك ، وكالعادة فإن الغربيين لهم السبق دائماً في مثل هذه القضايا والسبب في ذلك هو أنهم حققوا ضروراتهم المعيشية وحلوا قضاياهم الأساسية ، فصاروا يخططون كيف يواجهون ما يستجد في حياتهم ، ففي ملتقى الحوار الأوربي المتوسطي الذي عقد بمدينة " خافيا الأسبانية " في الأسبوع الثالث من مايو 2006م وشارك فيه مسئولون أوروبيون إضافة لأمين عام جامعة الدول العربية ووزير خارجية المغرب ومدراء مؤسسات معنية بالحوار الحضاري وآخرين من ذوي الاهتمام فقد تمخض الاجتماع عن { التفكير في إقامة مؤسسة يكون مقرها في مدينة « خافيا » } تضاف إلى الجسور التي يجري بناؤها باسم حوار الحضارات ، أو حوار الأديان ، أو علاقات حسن الجوار ، غير أنه تم الاتفاق على أن تكون تلك المؤسسة الجديدة موجهة بصفة خاصة إلى الشباب باعتبارهم المستقبل الذي يمكن بناؤه على أساس تبادل المعرفة والفهم المتبادل والابتعاد عن التطرف الذي ينبع غالباً من الجهل وتبني الصورة الأحادية والرمادية للعالم ، وقد تركزت المقترحات في نقاط محددة :
1. التركيز على الشباب المتميزين وقادة المستقبل من مختلف الأوساط الاجتماعية ومتنوعي الخبرات والتخصصات ، وعقد لقاءات بينهم حول موضوعات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية لتعميق المعرفة المتبادلة والفهم والتقدير وتنظيم معسكرات صيفية .
2. تشجيع المنح الدراسية وتبادل الطلبة والباحثين .
3. تشجيع تبادل الآراء حول الحكم الصالح وسيادة القانون .
4. تشجيع الاتصالات بين أصحاب الأعمال والعمال ، وخلق فرص عمل عن طريق دورات تدريبية مع التركيز على المشروعات الصغيرة والمتوسطة .
5. تشجيع الاتصالات عن طريق وسائل الإعلام .
6. الاستفادة من المؤسسات والمبادرات القائمة في هذا الشأن ، مثـل : مؤسسة أنا ليند ، ومهرجان أصيلة الثقافي بالمغرب الذي يرأسه محمد بن عيسى عمدة المدينة المنتخب ، ووزير خارجية المغرب ، ومؤسسة « بروكنجز » ، واللجنة الدولية للأزمات التي يرأسها جاريت ايفنز ، وزير خارجية استراليا السابق ، والتي كانت ممثلة في الاجتماع .
7. تنظيم ورش عمل للشباب حول موضوعات الحـوار ، والموضوعـات المتنوعة ، ومنها فرص العمل للشباب .
سادساً : معرفة أسباب التوتر والتخلص منها :
العلاقات بين الأديان والحضارات شهدت صراعات وحروباً عبر تاريخها خلفت مرارات كثيرة وخلقت حواجز تمنع التواصل بين كثير منها ، وبالرغم من التوجه العالمي المتصاعد نحو علاقة لا تشوبها نزاعات إلا أن آثار الماضي تلقي بظلالها على الحاضر وتعرقل مستقبل العلاقات الإنسانية ، عليه يكون من ضرورات ترسيخ ثقافة الحوار معرفة عوامل الصراع ومسببات النزاع والتخلص منها ليكون الطريق سالكاً نحو علاقات قائمة على الثقة والاستدامة ، ففي الإطار الداخلي لا بد من حصر الخلاف السني الشيعي في طبيعته السياسية وتحريره من العوامل العقائدية التي استدعيت في تلك المرحلة لخدمة أهداف سياسية للطرفين ، والصراعات المذهبية تفهم في إطار اختلافات المناهج والخلفيات البيئية وهي اجتهادات مسموح بها في ظل الإسلام ، والخلاف الإسلامي العلماني ينبغي تفسيره على أساس اختلاف التصور للأشياء ، واستخدام مصطلحات يختلف فهم كل طرف عن فهم الطرف الآخر لها ، هذه المصطلحات عندما تحرر وتضبط ستقرب الشقة ، والصراع الإسلامي المسيحي يوضح أن ظروفاً تاريخية مرحلية أوجبته وبزوالها سقطت مبررات الصراع ، والصراع الإسلامي اليهودي تاريخياً انحصر في أحداث المدينة الثلاثة وهي وقائع لا تورث وقد انتهت مع أصحابها ، وأما الصراع الحالي فليس بين الإسلام واليهودية بقدر ما هو صراع بين الإسلام والصهيونية التي هي حركة سياسية استغلت لأغراض سياسية ، وأما علاقة الحضارة الإسلامية بالحضارة الغربية فإنها من أكثر العلاقات حساسية بسبب الصراعات التاريخية والحديثة ، وأي كلام عن حوار حضاري بينهما لا يحقق أهدافه ما لم يتخلصا من تلك العوائق المقعدة ويتجها لإقامة علاقات جديدة غير مشدودة بحبال الماضي .
إن علاقة الحضارة الغربية بالحضارة الإسلامية معقدة لأسباب أهمها :
1. الحضارة الإسلامية تكمن فيها تيارات مشدودة إلى نجاحها القديم لدرجة تجعلها تظن أن استنساخ ما حدث تاريخياً ممكن . هؤلاء يسقطون نجاح الماضي على الحاضر فيشلون حركته..
2. الحضارة الغربية الحديثة تعاملت مع الحضارة الإسلامية بدرجة عالية من الذعر لأنها الحضارة الوحيدة التي كادت تمتصها بسبب تفوقها الفكري والتكنولوجي والثقافي عليها في الماضي ؛ كما كانت الحضارة الوحيدة التي هدّدت الحضارة الغربية في وجودهـا أكثر من مرة ، لذلك صار التخوف من الإسلام والمسلمين شيئاً عادياً في النفوس الغربية .
3. الحضارة الغربية الحديثة تعاملت مع الحضارات الأخرى بدرجة كبيرة من التعالي وافتراض الدونية ؛ وكان تعاملها مع المسلمين ظالماً مهيناً غداراً لم تراع فيهم إلاً ولا ذمة ؛ لذلك صار بغض الغرب وأهله في نفوس كثير من المسلمين .. كذلك فإن ظاهرة التشدد الإسلامي في مجتمعاتنا ؛ والتشدد الأصولي في غيرها من المجتمعات ؛ وظاهرة الهيمنة الحضارية في الغرب تيارات تبرر العنف وتدفع بالإنسانية نحو الخصام والصدام ؛ وظاهرة الاستنارة الإسلامية ـ والاستنارة عند أهل الحضارات المختلفة ـ وظاهرة الاعتدال الغربي تشكل تيارات تغذية للسلم وتبرر التواصل الحضاري ، فإن تغلبا فإنهما يفتحان أبواب التواصل والحوار البناء ويمهدان لتنوير عالمي يبشر بمستقبل إنساني أفضل .. إن شـروط ذلك التواصـل تتمثل في الآتي :
أولاً : أن يدرك الغرب ويعترف بأن الحضارة الغربية الحديثة حضارة مركبة ساهمت كل حضارات الإنسان السابقة لا سيما الحضارة الإسلامية في تكوينها .
ثانياً : الاعتراف بأن الحضارات الإنسانية والثقافات الأخرى لها دورها في بناء حاضر ومستقبل الإنسانية ، ولا يجوز التعامل معها ككيانات منقرضة أو في طريقها للانقراض الوشيك .
ثالثاً : التسليم بأن منجزات الحضارة الغربية الحديثة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتكنولوجية التي نضج عودها في الغرب والصالحة لاستصحاب البشر لها في كافة البلدان ، سيتم استصحابها برؤية ذاتية لا بالإكراه ، والرؤية الذاتية هذه تشتمل على أقلمة ثقافية واجتماعية تحددها الشعوب المعنية باختيارها .
رابعاً : إدراك أن الظلم الاجتماعي على صعيد الدولة الواحدة مثل الظلم الاجتماعي على الصعيد العالمي ؛ كلاهما يقوض الاستقرار والسلام ، إن إزالة الغبن التنموي عن عالم الجنوب والسعي الحثيث لدعم التنمية في عالم الجنوب المتخلف ضرورات لحفظ السلام العالمي .
خامساً : إقامة علاقات حوار إيجابية بالحضارات الأخرى على أساس التعلم المتبادل .
سادساً : التوصل عن طريق حوار متكافئ قدر المستطاع للاتفاق على غايات إنسانية وايكولوجية مشتركة .
سابعاً : إدراك أن الغرب قد كان سبباً أساسياً في تكوين عدد من بؤر النزاع الساخنة ومهما كانت مسئولية الأطراف المحلية عن استمرار تلك البؤر الملتهبة فإن اعتراف الغرب بدوره في تكوينها واستعداده للقيام بدور إيجابي في علاجها أمر هام وعتبة نحو علاقات دولية سلمية وسوية .
فكما أن علينا أن نعيد النظر في كثير من المواقف فعلى الطرف الآخر فعل الشيء نفسه ليصحح معلوماته عن ديننا وثقافتنا ليكون قادراً على تفهم كثير من المواقف التي قد لا تتفق مع ما هو سائد في بيئتهم ولا تقره قيمهم . إن ترسيخ ثقافة الحوار يحتاج إلى إرادة من المعنيين بالأمر وقناعة تترجم إلى آليـات تعنى بهذا الأمر ، وإذا اتبعت الوسائل السابقة بدقة سوف تؤتى أكلها رغم العوائق العقائدية والفكرية والسياسية ، فالعنف أفسد كل شئ ومع ذلك فإن الإصلاح ممكن .
توصيـات :
أولاً : الفهم الصحيح للإسلام من خلال مصادره القطعية ، مع مراعاة المقاصد وإدراك أن الإسلام أوسع من الفهم القاصر الذي يحصره في حقبة تاريخية معينة تحمل اجتهادات السلف فوق طاقتها وتلغي دور الخلف وتعطل عطاء الإسلام الإيجابي في مسيرة البشرية .
ثانياً : التعرف على الآخر من مصادره نهج موضوعي دعا إليه ديننا فلا نتحرج منه ، والعمل على امتصاص النزعة العصبية القائمة على تضخيم الذات وتمييزها على الآخر بسبب الجهل المتبادل .
ثالثاً : إيجاد مساحة في المجتمع لقيم التسامح والاعتدال والتعاون المشترك ، مع محاصرة تيارات الغلو والتطرف أنى كان موقعها .
رابعاً : نشر مبادئ الشفافية وحقوق الإنسان وأهمية الحريات العامة التي كانت مغيبة في كثير من المجتمعات ، وتسليط الضوء على أي حدث فيه تجاوز لهذه القيم في أي نقطة في أركان المعمورة ، وذلك بتوفير مناخ يسمح بتبادل الآراء بين كافة الأطراف في هذا الخصوص .
خامساً : تحديد عوامل التوتر وتحليلها وتشخيصها والعمل على التخلص منها لتنقية الأجواء وتهيئتها لقبول الآخر والتواصل معه .
الأحد، 24 أكتوبر 2010
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق