الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010

التعددية قدرالانسان المحتوم

17 – 10 – 2010م

التعددية قدرالانسان المحتوم
بقلم: عبدالمحمود أبو
aae1964@hotmail.com

نظم المجلس الأعلى للدعوة الاسلامية التابع لوزارة الارشاد والأوقاف ملتقى فكريا بعنوان الندوة العلمية العالمية المتخصصة في قضايا الدعوة الاسلامية تحت شعار "الآفاق المستقبلية للدعوة الاسلامية في السودان" شارك فيه عدد من العلماء والمفكرين من داخل السودان وخارجه ، وقدمت فيه أبحاث قيمة وجاء النقاش عميقا بالرغم من كثرة الأوراق وضيق الزمن، والقضايا التي أثيرت تحتاج إلى بحث أعمق لتوضيح أبعادها وتبين حقائقها وأهم هذه القضايا في تقديري القضية المتعلقة بمفهوم الدولة في الاسلام وطبيعتها واختصاصاتها وعلاقة الحاكم بالمحكوم وحقوق المواطنيين والتعددية السياسية والعلاقات الدولية...الخ وسأخصص هذا المقال لموضوع التعددية. لقد تناول العلماء المعاصرون هذا الموضوع وقدموا أدلة دامغة تؤكد مشروعية التعددية في الاسلام وضرورتها في الحياة الانسانية حتى ظننا أن هذا الموضوع أصبح راسخا لايحتاج إلي نقاش، ولكن يبدو أن بعض الناس لازالوا غيرمقتنعين، فبعضهم يتهم الغرب بأنه وراء هذه الظاهرة وأنه يريد أن يقسم الأمة إلى أحزاب متناحرة ! وآخرون يقولون إن الاسلام يرفض التعددية ويستشهدون بالنصوص التي تذم التحزب والتفرق، وآخرون محتارون! إنني في هذا المقال أحاول أن أبين ما أراه صحيحا في هذا المجال.
مفهوم التعددية:
التعددية كمصلح سياسي يقصد به الأحزاب السياسية ذات البرامج المتنوعة بل المتعارضة في بعض الأحيان في المجتمع ، وقد صارت أداة العصرلممارسة العمل السياسي في عالم اليوم. والدارس للاسلام بعمق يدرك أن الاسلام أقرالتعددية قبل أن يعرفها الفكرالسياسي الانساني بعدة قرون، وتأصيل التعددية يمكن تلخيصه في أن الاختلاف في وجهات النظروفي التصورات والعقائد يؤدي إلي تعدد الآراء والأفكاروحتي في داخل الاسلام وقع اختلاف بين المسلمين علي طول تاريخ الدعوة وذلك لعوامل موضوعية تجعل الاختلاف حتميا.
العوامل الموضوعية للإختلاف :
الإنسان خلق حراً ذا إرادة ، وهذه الحرية تعطيه القدرة على الإختيار بين البدائل، فالقرآن يشير إلى أن الإختلاف بين الناس وراءه حكمة إلهية باعتبار أن الله سبحانه وتعالى منزه عن العبث في أفعاله قال تعالى : "وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ"[هود118] والإختلاف الذي حدث ويحدث داخل ملة الإسلام هنالك اسباب موضوعية تجعله مبرراً بل وضرورياً في بعض الأحيان ، لأن الشعوب التي يخاطبها دين الإسلام شعوب مختلفة العادات والطبائع والأعراف والتقاليد ، وعالمية الإسلام تعني مخاطبته لكل العالمين ، وهم يعيشون في بيئات مختلفة ، وأحوال مختلفة ، وأزمان متعاقبة ، فلا بد للدين الخاتم أن يستجيب لهذا الإختلاف وهذا التنوع فهذه الإستجابة من شروط عالمية الدين وخلوده . والعوامل التي تجعل الخلاف الإجتهادي في داخل الملة واقعاً حتمياً ومشروعاً كثيرة أذكر منها الآتي :
أولاً : اللغة : مصدر التشريع الأول في الإسلام هو القرآن الكريم وقد نزل باللغة العربية الفصيحة، والعربية حبلى بالمعاني فقد تحمل الكلمة الواحدة أكثر من معنى ، وتعدد المعاني يؤدى لاختلاف الأحكام ، وردت في القرآن الكريم عدة المطلقة في قوله تعالى: "وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ.."[البقرة:228] القروء جمع قرء ، والقرء له معنيان : فالقرء بمعنى الحيض ، والقرء بمعنى الطهر من الحيض . فمن أخذ القرء بمعنى الحيض أفتى بأن المرأة المطلقة تخرج من عدتها بمجرد دخولها في الحيضة الثالثة . ومن أخذ القرء بمعنى الطهر من الحيض فالحكم عنده أن المرأة المطلقة لا تخرج من عدتها الا بعد طهرها من الحيضة الثالثة فهنا نجد أن اختلاف الحكم راجع الى تعدد المعنى في اللغة .
ثانياً : اختلاف القراءات : القرآن نزل على سبعة أحرف أي أن صيغ المفردات اللغوية واللهجات داخل اللغة العربية التي نزل بها القرآن سبع وعلى هذا الأساس جاء اختلاف القراءات . فمثلاً جاء في سورة المائدة في قوله تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ .."[المائدة:6] قرأ نافع وابن عامر والكسائي وحفص ((وأرجلَكم)) بفتح اللام عطفاً على الأيدي ، فالأيدي تغسل والأرجل تغسل على هذه القـراءة . وقرأ ابوعمرو بن العـلاء وحمـزة وشعبة (( وأرجلِكم )) بجر اللام عطفاً على الرؤوس فالرأس يمسح والأرجل تمسح على هذه القراءة . كذلك قرأ حمزة والكسائي في قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾[الحجرات:6] قرآها ((فتثبتوا)) بدَل (( فتبينوا )) وهنالك فرق في الحكم بين التثبت والتبين ، فالأولى تطلب الإنتظار حتى تتضح الحقيقة والثانية توجب البحث لمعرفة الحقيقة .
ثالثاً : السنة النبوية :قسمت السنة الى ثلاثة أقسام كبيرة تحتها فروع ، هي : السنة المتواترة ، والسنة المشهورة ، وسنة الآحاد ، وقد اختلف الأصوليون حول السنة لأسباب ترجع بعضها إلى الرواية: من حيث الجرح والتعديل فقد يكون الراوي ثقة عند بعض علماء الحديث وقد يجرحه عالم آخر لعلة ظهرت له ، وقد يصح السند عند بعضهم فيقبل ، وقد لا يصح عند آخرين فيرد ، ومن حيث الدراية فقد يقبل الحديث من حيث الرواية ويرد دراية لأنه يناقض أصلاً أقوى منه ، وبعض أسباب الأختلاف ترجع إلى الناسخ والمنسـوخ: فقد يقف أحد الفقهاء على حديث ناسخ لحديث لم يقف عليه غيره ، وقد يكون الخلاف حول حجية حديث الآحاد ونطاق تطبيقه ، وتوجد أسباب كثيرة في هذا المجال تعرض لها الأصوليون في مظانها ، كما ان السنة لم تدون بصفة رسمية إلا في القرن الثاني الهجري في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز ، والأحاديث جاء تصنيفها من حيث الصحة والحسن والضعف والدرجة وفقاً لمناهج علماء الحديث وهي مناهج من وضع المجتهدين, والسنة ليست على مرتبة واحدة : ففيها القطعي ، وأغلبها ظني ، والأحاديث جاءت متفرقة حسب الحوادث على مدى ثلاثة وعشرين عاماً ولم ترتب تريباً زمانياً بل حسب موضوعاتها ، وبعض الناس سمعوا حديثاً في زمن ما وتفرقوا في الأمصار وربما أتى حديث لاحق ناسخ للسابق ولم يسمعوا به . وهذا ما دعا الإمام مالك أن يقول للمنصور عندما رأى أن يلزم الناس بالموطأ قال له: ( يا أمير المؤمنين لا تفعل هذا ، فإن الناس قد سبقت لهم أقاويل ، وسمعوا أحاديث ، ورووا روايات ، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم ، وأتوا به من اختلاف الناس، فدع الناس وما اختار أهل كل بلد منهم لأنفسهم.. ) . فالإمام مالك بهذا يقر بحق الآخر المختلف ويجد له تبريراً مشروعاً ، ولا يهمل اختلاف البلدان وما يتبعه من إختلاف العادات والطبائع..
رابعاً : مصادر التشريع :أجمع المسلمون على أن الكتاب والسنة هما المصدران الأساسيان للتشريع في الإسلام ، واستنبطوا منهما المصادر الأخرى كالإجماع والقياس, هذه المصادر تعتبر مصادر أصلية عند أهل السنة ، وهنالك مصادر فرعية : كعمل أهل المدينة والإستصحاب ، وشرع من قبلنا ، والإستحسان ، والمصالح المرسلة ، وغيرها من المصادر الفرعية المعروفة . هذه المصادر الفرعية اختلف الفقهاء حولها بين مضيق وموسع ومقدم ومؤخر ، وهنالك أصول منسوبة لأئمة الفقه هي في الواقع مخرجة على أقوالهم تخريجا قام به المتأخرون، هذا الإختلاف حول مصادر التشريع أدى إلى اختلاف في الفتاوى والأفكار .
خامساً : مشروعية الإجتهاد :لقد أقر الإسلام الإجتهاد وحث عليه وورد في الفصل السابق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر اجتهاد صحابته في حياته في مواضع شتى ، وقد طبق المسلمون الإجتهاد في مراحل متعددة من تاريخهم ، ذكر الشعبي عن شريح أنه قال : قال لي عمر : ( اقض بما استبان لك من كتاب الله ، فإن لم تعلم كل كتاب الله فاقض بما استبان لك من قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن لم تعلم كل أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقض بما استبـان لك من أئمة المهتـدين ، فإن لم تعلم كل ما قضت به أئمة المهتدين فاجتهد رأيك واستشر أهل العلم والصلاح ) ففي كلام عمر مرونة شديدة حيث طلب من شريح أن يقضي بما استبان له ومعلوم أن الإستبانة نسبية فقد يستبين الأمر للإنسان في وقت ولايستبين له في وقت آخر.
سادساً : اقرار الرسول للإختلاف النوعي والمحافظة عليه في اطاره : فقد كان كثير من الصحابة فقهاء مجتهدون ، واختلفوا حتى في حياته صلى الله عليه وسلم في مواقف كثيرة أقرهم عليها ، وأشهر تلك المواقف اختلاف أبي بكر وعمر حول التعامل مع أسرى بدر ، واختلافهم في صلح الحديبية ، واختلافهم في الخروج من المدينة في غزوة أحد ، واختلافهم في صلاة العصر عندما أمروا ألا يصلوا إلا في بني قريظة ، كما أن كل واحد منهم تميز بصفة دون غيره حتى اشتهر بها ومع مرور الزمن صارت الصفات الفردية والإهتمامات الشخصية مدارس داخل الأمة : قال صلى الله عليه وسلم : (( أرحم هذه الأمة بها أبو بكر ، وأقواهم في دين الله عمر، وأفرضهم زيد بن ثابت ، وأقضاهم علي بن طالب ، وأصدقهم حياء عثمان بن عفان ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعـب ، وأبو هريرة وعـاء من العلـم ، وسلمان عالم لا يدرك ، ومعاذ بن جبل أعلم الناس بحلال الله وحرامه ، وما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر )) .إن المدارس الفقهية تطورت من مناهج فردية حتى أصبحت مذاهباً واشتهر عند الفقهاء تشدد ابن عمر ، ووسطية ابن مسعود ورخص ابن عباس .
سابعاً : المستجدات :كما هو معروف فإن النصوص متناهية والحوادث غير متناهية ، والممارسة العملية تبرز تحديات تحتاج الى معالجة ، واجه هذا التحدي الصحابة يوم وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فاختلفوا هل مات الرسول أم لم يمت . كذلك اختلفوا في مكان دفن الرسول صلى الله عليه وسلم حتى حسم ذلك أبو بكر بقوله : سمعت من الرسول يقول : (( ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض )) فرفع فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه فحفروا له تحته ) . كذلك اختلفوا في أمر خلافته : ( فقال الأنصار أنهم أحق بخلافة لأنهم آووه ونصروه وقبض عندهم . وقال المهاجرون إنهم أحق بها لأ نهم أهل السبق في الإسلام وأنهم هاجروا معه وتركوا أموالهم وديارهم نصرة للدين وان العرب لا تدين إلا لقريش . وغضب بنو هاشم لأنهم غيبوا عن الشورى لانشغالهم بتجهيز جثمانه صلى الله عليه وسلم ) واختلفوا حول مانعي الزكاة هل يحاربونهم أم لا ؟ واختلفوا في تقسيم الخراج.. وهكذا فرضت المستجدات واقعاً جديداً اقتضى اجتهاداً لمواجهة تحدياته وقضاياه التي لم تكن موجودة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وخلاصة القول : أن هنالك أسبابا موضوعية ـ سبق ذكرها ـ تجعل الإختلاف أمراً حتمياً وضرورياً . ولهذا الإختلاف فوائد كما يقول الدكتور : طه بن جابر العلواني منها: (أنه يتيح التعرف على جميع الإحتمالات التي يمكن أن يكون الدليل قد رمى إليها بوجه من وجوه الأدلة . وثانياً: إنه يتيح رياضة للأذهان وتلاقحاً للآراء ويفتح مجالات التفكير للوصول إلى سائر الإفتراضات التي تستطيع العقول المختلفة الوصول إليها . وثالثاً : إنه يتيح تعدد الحلول أمام صاحب كل واقعة ليهتدي إلى الحل المناسب للوضع الذي هو فيه بما يتناسب مع يسر هذا الدين الذي يتعامل معه الناس من واقع حياتهم ) . إنها فوائد يؤكدها الإنتاج الفكري والعلمي الذي تذخر به الساحة الإسلامية ويصدقها الواقع الذي أفرز قضايا معقدة تمكن الفقهاء من التعامل معها .
وهذه الروح لم تغب عن عظماء الأمة في عصورها المتعاقبة فأبو حنيفة يقـول : ( هذا الذي نحن فيه رأي لا نجبر أحداً عليه ولا نقول يجب على أحد قبوله بكراهية فمن كان عنده أحسن منه فليأت به ) فالمؤمن دائماً طالب حق لا يتعصب لرأيه إن ظهر له الصواب عند غيره . ومعلوم أنه في عصر التابعين ظهرت مدرستان : مدرسة أهل الحديث التي قامت على فقه الصحابة وآثارهم وكان على قمتها سعيد بن المسيب وعليها اعتمد المالكية والشافعية والحنابلة . ومدرسة أهل الرأي التي تعتمد على الرأي إن غاب الأثر وكان على قمتها إبراهيم النخعي . وعليها سار الأحناف دون أن يكفر بعضهم بعضاً ، بل في عصور لاحقة عندما احتك كل فريق ببيئة الفريق الآخر أدرك أسباب هذا الإختلاف بينه وبين نظيره . وما آفة الفتوى إلا عدم الإحاطة بالموضوع محل الحكم ، والواقع الذي تتنزل عليه ـ فعدم الربط بين النص والواقع وعدم ربط كل ذلك بالمقاصد يؤدي إلى إصدارأحكام توقع الناس في الحرج . إن كثيراً ممن تصدوا للفتوى في عصرنا هذا يمكن وصفهم بأنهم حفظة نصوص ولكنهم ليسوا فقهاء ، فالفقيه من يمتلك القدرة على استنباط الأحكام من النصوص مع اعتبار الواقع ومراعاة المقاصد . فاستخراج الحكم مجرداً دون مراعاة الواقع وتعقيداته يوقع صاحبه في حرج . فلا بد لمن يتصدى للفتوى أن يدرك طبيعة الواقع المعاصر بتعقيداته وعلاقاته السياسية والإقتصادية والإجتماعية والإدارية حتى لا يغرد خارج السرب . والفتوى الفردية لا تكون مجدية في هذا العصر الذي توفرت فيه المعلومة بصورة غير مسبوقة ، فهناك ضرورة إلى قيام مؤسسات للفتوى تضم كل التخصصات الشرعية والمدنية ، تجمع علماء الشرع وعلماء السياسة والإقتصاد والطب والإجتماع والفلسفة والعلاقات الدولية والقانون حتى تتمكن من إصدار فتاوى تقل فيها نسبة الخطأ وتكون جامعة مانعة

هناك تعليق واحد:

  1. شكرا استاذنا الكريم جعلك الله احد منابع المعرفة المتجددة والفكر المستنير . كثيرا ما كنت اتطلع الى النوافذ التى تطل عليها لاقرأ ما تكتب . فلله الحمد
    siddig19@yahoo.com محبكم/ صديق محمد ابراهيم

    ردحذف